جعل الأبوَّة مثل الخراف

جعل الأبوَّة مثل الخراف

مع بداية قراءة الإنجيل في الكنيسة، وفي حضور رئيس الكهنة، ينادي الشماس قائلاً: «فليرفعوه في كنيسة شعبه وليباركوه على منابر الشيوخ، لأنه جعل أبوَّة مثل الخراف».

هذه الكلمات مشتقة من سفر المزامير، مزمور 106 حسب الترجمة القبطية، (107 عبري). وهو واحد من أجمل المزامير التي تتنبَّأ عن الرب يسوع المسيح وعمله الخلاصي. يبدأ المزمور بالآية: «اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ». ثم يتكلم عما حققه الرب لنا بموته وقيامته من بين الأموات: «10الْجُلُوسَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ مُوثَقِينَ بِالذُّلِّ وَالْحَدِيدِ. 14أَخْرَجَهُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ وَقَطَّعَ قُيُودَهُمْ.  16لأَنَّهُ كَسَّرَ مَصَارِيعَ نُحَاسٍ وَقَطَّعَ عَوَارِضَ حَدِيدٍ. 20أَرْسَلَ كَلِمَتَهُ فَشَفَاهُمْ وَنَجَّاهُمْ مِنْ تَهْلُكَاتِهِمْ».

ثم تأتي استجابة الكنيسة لما عمله الرب معنا: «31فَلْيَحْمَدُوا الرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ. 32وَلْيَرْفَعُوهُ فِي مَجْمَعِ الشَّعْبِ وَلْيُسَبِّحُوهُ فِي مَجْلِسِ الْمَشَايِخِ». أو حسب الترجمة اليونانية والقبطية لهذه الآية الأخيرة: «فليرفعوه في كنيسة شعبه وليباركوه على منابر الشيوخ».

ثم تأتي الآية التي نحن بصددها: «41وَيُعَلِّي الْمِسْكِينَ مِنَ الذُّلِّ، وَيَجْعَلُ الْقَبَائِلَ مِثْلَ قُطْعَانِ الْغَنَمِ، 41يَرَى ذَلِكَ الْمُسْتَقِيمُونَ فَيَفْرَحُونَ». وهي نبوءة أيضًا عن الرب يسوع. فمن هو هذا المسكين، حسب قول العلامة أوريجانوس، أليس هو الرب يسوع الذي «افتقر وهو غني، لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كو 8: 9)، وهكذا رفَّعه الله (في 2: 9)، وباركه وجعله قبائل مثل قطعان الغنم في الكثرة، أو بحسب نص سفر المزامير: «أَنَا أَيْضاً أَجْعَلُهُ بِكْراً أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ… وَأَجْعَلُ إِلَى الأَبَدِ نَسْلَهُ وَكُرْسِيَّهُ مِثْلَ أَيَّامِ السَّمَاوَاتِ» (مز 89: 27-29)، إشارة إلى الأعداد الغفيرة التي ستقبل الإيمان باسمه، ومن ثم سيصيرون أولاداً له (يو 1: 12).

وكلمة قبائل في النص العبري تم ترجمتها إلى كلمة (باترياس) اليونانية، وهي تعني قبائل أو عشائر (كما تعني أبوَّة)، وهكذا جاءت في العهد الجديد: «الذي منه تُسمى كل عشيرة (أو أبوَّة) في السماوات وعلى الأرض» (أف 3: 15؛ انظر: لو 2: 4؛ أع 3: 25). أما في الترجمة القبطية لهذا المزمور فقد تُرجمت إلى أبوَّة، ومنها جاء اللحن: لأنه جعل أبوَّة مثل الخراف. إذاً المقصود هو نفس المعنى: أن الله جعل أبوَّة الرب يسوع لأعداد لا تُحصى من المؤمنين، وهي في وفرتها مثل قطعان الغنم في الكثرة، أبوَّة «على كل قبيلة ولسان وشعب وأمة» (رؤ5: 9). أمّا لماذا تُقال في حضرة رئيس الكهنة، فكنوع من التوسل إلى الله أن يُجدِّد في الرئيس روح الأبوة المستمد من الآب السماوي «الذي منه تُسمّى كل أبوَّة» (أف3: 15) لكي يفتح صدره الأبوي لكافة الخراف على مختلف أنواعها.

 

اضغظ هنا للتحميل