إِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ 2

في إنجيل القديس متى، يعطي ربنا يسوع المسيح مثلاً عن الخروف الضال، قائلاً: «مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟ وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ. هَكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ» (متى 18: 12-14).

ثم بعد هذا الكلام مباشرة يقول: «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ» (متى 18: 15).

فلماذا ربط ربنا يسوع بين مثل الخروف الضال وخطيئة الأخ؟ يعالج الرب يسوع مشكلة خطأ الأخ هنا على أربع مراحل:

(1) فنلاحظ أن الربَّ لم يطلب أن يذهب المخطئ للاعتذار، بل طلب من الذي كان على حقٍّ أن يذهب هو للمبادرة بالصلح: «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا»؛

(2) وإن لم ينجح في إتمام المصالحة، فيجب الاستعانة بأكثر من شخص للوساطة «وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ»؛

(3) فإن لم تنجح جهود الوساطة، يجب أن تتدخل الكنسية «وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ»؛

(4) أخيراً، إن فشلت كل هذه الجهود، فليكن عندك كالوثني والعشار.

ولكي نفهم معنى الوثني والعشار، نرجع لحياة الرب يسوع نفسه، الذي قيل عنه أنه: «مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ» (متى 11: 19)؛ كما اتهمه مرة الكتبة والفريسيون قائلين للتلاميذ: «لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ»؟ (متى 9: 11). والرب يسوع نفسه قال: «لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (لوقا 5: 32). إذاً، المقصود هنا بالوثني والعشار، تلك الخليقة الضعيفة روحياً التي جاء المسيح من أجل خلاصها. معنى هذا أنه إن لم يسمع أخوك لمبادرة الصلح، يجب أن تعتبره مثل الوثني والعشار، أي مثل ذلك الإنسان الضعيف الذي جاء المسيح من أجل خلاصه، والذي يستحق محبتك أكثر!

أليست هذه قصة الخليقة كلها، والتي تتمثل فيها أيضاً هذه الأربع مراحل:

(1) عندما أخطأ الإنسان الأول إلى الله، بادر الله نفسه للسؤال عن هذا الخروف الضال: «فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: أَيْنَ أَنْتَ»؟ (تكوين 3: 9)؛

فلما ألقى آدم بالتهمة على حواء، قائلاً: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ» (تك  3 :  12)؛ وحواء بدورها ألقتها على الحية: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ»؛

(2) أرسل الله الرسلَ والأنبياءَ، «لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ»، أو كما نقولها في القداس الغريغوري: «أرسلت الأنبياء من أجلي أنا المريض»؛

(3) ثم من بعدهم الكنيسة ممثلةً في الهيكل بذبائحه وشرائعه وقوانينه، أو كما نقولها أيضاً في القداس الغريغوري: «أعطيتَ الناموس عوناً».

(4) أخيراً، بعد فشل جميع محاولات إعادة الصلح مع تلك الخليقة التي ضلت وتاهت بعيداً، كان يجب أن يعاملها الربُّ مثل الوثني والعشار، أي مثل جُبلة ضعيفة ليس لها أية قُدرة على المصالحة، وليس عندها أي إمكانية للرجوع. فاضطر أن يترك التسعة والتسعين خروفاً التي لم تضل، وجاء للبحث عن هذا الخروف الضال، أو كما يقولها معلمنا بولس الرسول: «وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ، مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رو 5: 8).

يقول القديس كيرلس الكبير في تفسير إنجيل لوقا (عظة 106): [إن هذا المثل يوضح لنا صورة عن الحنان الإلهي … إن الله الآب أرسل ابنه من السماء لا ليدين العالم، كما يقول هو نفسه، بل ليخلص به العالم. فبأي طريقة كان مناسباً للعالم أن يخلص؟ ذاك العالم الذي أُمسك في شباك الخطيئة، وصار مذنباً بتهمة الشر، وصار خاضعاً لسيّدٍ قاسٍ أي الشيطان؟ هل كانت الطريقة المناسبة أن يعاقبه لسقوطه في التعدي والخطيئة، ألا يكون بالأحرى بأن يساعده … وأن يجدد إلى قداسة الحياة أولئك الذين لم يعرفوا كيف يعيشون باستقامةٍ؟

إن المسيح لم يستنكف أن يأكل مع العشارين والخطاة، بل هيأ لهم عن قصد هذه الوسيلة للخلاص. فلكي يخلص الناس، أخلى نفسه، وصار مثلنا في الشكل، وارتدى لباس فقرنا البشري].

حقاً، لقد قال داود النبي: «مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ» (مز 104: 24).

 

اضغظ هنا للتحميل