الكرمة والأغصان

 

الكرمة والأغصان

عندما أراد الرب يسوع أن يشرح مدى العلاقة التي تربطنا به، بعد أن أنعم علينا بالتبني، وصرنا أولاداً حقيقيين لله، قال: «أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا 15: 5).

بدون حلول الروح القدس علينا، ما كان ممكناً أن نصير أغصاناً في الكرمة، فالروح القدس هو الذي يوحدنا بالمسيح، وهو الذي يمنحنا قرابة لله، أي أن نصير من أهل بيت الله، حسب قول معلمنا بولس الرسول (أفسس 2: 19).

هذا المعنى يشرحه القديس كيرلس الكبير في تفسيره على إنجيل يوحنا (15: 1) قائلاً:

[لـمّا أراد الربُّ أن يخبرنا كم ينبغي أن نتمسك بحبنا له، وما أعظم الربح الذي نحصل عليه من التصاقنا به، قال – بأسلوب تصويري – إنه هو الكرمة، وإن أغصانه هم الذين يتحدون به ويتناغمون معه بنوعٍ ما ويتأصلون فيه، فيصيرون منذ الآن شركاء طبيعته، بنوالهم الروح القدس. فإن الذي يوحِّدنا بالمسيح مخلصنا إنما هو روحه القدوس… وكما أن جذع الكرمة يوفِّر للأغصان ويوزِّع عليها الانتفاع من دسمه الطبيعي المتأصِّل فيه، هكذا أيضاً كلمة الله الوحيد، يمنح القديسين قرابة لطبيعة الله الآب التي هي طبيعته هو أيضًا، بإعطائهم الروح القدس، أولئك القديسين الذين صاروا متحدين به بالإيمان والقداسة الكاملة، وهو يُغذيهم في التقوى، ويبثُّ فيهم معرفة كل فضيلة وكل عملٍ صالح].

وطالما كان الغصن ثابتاً في الكرمة، فهو يحيا ويأتي بثمر كثير. أما حياة الغصن فسببها سريان العصارة الحية من جذع الكرمة إلى كافة الأغصان، وبدون تلك العصارة فلن توجد حياة للأغصان. أما العصارة الحية فهي جسد الرب ودمه الأقدسين، اللذان عليهما تقوم كل حياتنا، وبدونهما نصبح متغربين عن حياة الكرمة.

يستكمل القديس كيرلس الكبير شرحه قائلاً: [ المخلص نفسه يقول: مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ (يوحنا 6: 56)، وجدير بنا هنا أن نلاحظ باهتمام أن المسيح لا يقول إنه سيكون فينا فقط بواسطة علاقة معنوية، تُعتبر من العواطف، بل وأيضاً بواسطة مشاركة طبيعية. فكما أنه إذا تمَّ عجن قطعة من الشمع بقطعة أخرى وتمَّ تسخينهما معًا بالنار، ينتج منهما قطعة شمع واحدة، هكذا أيضاً بتناولنا من جسد المسيح ودمه الكريم، يكون هو فينا ونحن فيه، ونصير واحداً معه. لأنه لم يكن ممكنًا بطريقة أخرى إحياء ما نشأ فاسدًا إلا باتحاده جسدياً بجسد ذاك الذي هو بطبيعته الحياة، أي الابن الوحيد].

 

اضغظ هنا للتحميل