لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداً
في صلاة الرب يسوع ليلة آلامه الخلاصية، صلَّى أولاً من أجل تلاميذه، كي يحفظهم اللهُ الآبُ من العالم، وحتى يقدِّسَهم في الحقِّ. ثم طلب من أجل كلِّ المسيحيين الذين سيؤمنون باسمه نتيجة كرازة تلاميذه ورسله الأطهار: «وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هَؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكلاَمِهِمْ. لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداً، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا» (يوحنا 17: 20-21).
الوحدة التي يطلبها الرب يسوع من أجلنا ليست هي الوحدة في العمل أو المبادئ أو التوجهات السياسية، وليست هي وحدة المشاعر والآمال والطموحات، فهذه جميعها مآلها للزوال. هي وحدةٌ فريدةٌ لا تخضع لقوانين الطبيعة والأعراف الدولية، وحدةٌ أولاً بين المؤمنين جميعاً: «لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداً»، ثم وحدة سماوية أبدية. إنها وحدةٌ في الثالوث الأقدس: «لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا».
فكما أننا في سر الإفخارستيا، أي سر التناول من جسد الرب ودمه، نصير واحداً بعضنا ببعض: «فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ» (1كورنثوس 10: 17)، هكذا أيضاً فإن الروح القدس الذي هو روح الوحدة في الكنيسة، فإنه يوحدنا معاً، كما يوحدنا أيضاً بالله: «لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً» (1كورنثوس 12: 13).
يقول القديس أثناسيوس الرسولي في مقالته الثالثة ضد الأريوسيين (25: 25): حينما يقول المخلِّص لأجلنا: «كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا» (يوحنا 17: 21)، هو لا يقصد بذلك أننا سنكون مساوين له، ولكنها طلبةٌ مرفوعةٌ إلى الآب، كما كتب يوحنا، لكي يُعطى الروح بواسطته للمؤمنين، ذلك الروح الذي بسببه نُعتبر كائنين في الله، بل ومتَّحدين معاً في الله. فحيث إن الكلمة في الآب والروح يُعطى بواسطة الكلمة، فهو يريدنا أن نقبل الروح، حتى إذا ما قبلناه، فحينئذ يكون لنا روح الكلمة الكائن في الآب، فنُعتبر نحن أيضاً بواسطة الروح قد صرنا واحداً في الكلمة، وبواسطته واحداً في الآب. وعندما يقول: كما نحن، فهو لا يعني شيئاً آخر سوى أن يسأل أن تصير نعمة الروح المعطاة للتلاميذ ثابتةً بلا تزعزع، لأن ما هو للكلمة بالطبيعة في الآب، كما قلتُ سابقاً، يريد أن يعطيه لنا بواسطة الروح بلا رجعة.
وهكذا يرى القديس أثناسيوس أن صلاة الرب في يوحنا 17 هي بالأساس صلاة لطلب حلول الروح القدس، لأنه روح الوحدة الذي يوحدنا مع الله، وبعضنا ببعض في الله.