مؤتمر الاستشهاد والشركة

 

جناب الأب الفاضل انسو بيانكي

أصحاب النيافة الآباء المطارنة والأساقفة وكل الأكليروس

الآباء والأخوة والأخوات بأخوية دير بوزى

قبلة محبة ومصافحة أخوية

أهنئكم بانعقاد المؤتمر المسكوني الرابع عشر للروحانية الأرثوذكسية، مؤتمر الاستشهاد والشركة، وكنت أتمنى أن أكون مشاركاً في هذا اللقاء، لولا تكليفي من قبل قداسة البابا تواضروس الثاني، لحضور مؤتمر الرهبنة البندكتية المنعقد في روما الآن.

أهنئكم على اختياركم موضوع الاستشهاد والشركة كعنوان لمؤتمركم.

فسيظل الاستشهاد، خاصة في عصرنا الحاضر، كما كان على مر العصور، هو أقصى شهادة عن الحب، فَلَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ (يو 15: 13).

فالشهيد يضحي بحياته من أجل من أحبه، الرب يسوع، وبذل نفسه فدية من أجل أن يهبه الحياة الأبدية والشركة مع الثالوث الأقدس.

هو يموت كل يوم من أجل أن يُسعد الآخرين، يموت عن ذاته وعن رغباته وطموحاته الشخصية، هو يعيش الوصية كل يوم: اسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً لِلَّهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً (أف 5: 2). فيعيش بالمحبة والبذل إلى أن يقدم حياته قربانًا وذبيحةً على مذبح الحب الإلهي.

فالشهيد لا يقتل نفسه، ويقتل معه الآخرين، بل يقدم نفسه فدية من أجل أن يحيا الآخرون.

إن خبرة الاستشهاد في كنيستنا القبطية لخبرة معاشة مستمرة لم تنقطع على مدى العصور. وكنا نظن أنه مع التقدم التكنولوجي وانفتاح العالم على بعضه بوسائل الاتصال الحديثة، وجهاد الشعوب والأمم من أجل حياة أفضل، وتقدم قوانين حقوق الإنسان، أنه ستتوارى عصور الاستشهاد، وتصبح ذكرى من الماضي. لكن ما زالت كنيستنا تقدم كل يوم شهداء جددًا على مذبح الحب السمائي. بل وإن الرغبة في الاستشهاد من أجل الإيمان المسيحي أصبحت تتغلغل في فكر الشباب والأطفال بصورة نعجز عن وصفها. وأنا شخصياً تصل إليَّ الرسائل من بعض الأقباط الذين لا أعرفهم يسألونني عن رغبتهم في تقديم حياتهم كشهداء، ويستفسرون هل هذا نوع من الانتحار، أم أننا نسير على طريق آبائنا الذين كانوا يخرجون أفواجاً مقدمين حياتهم في عصور الاستشهاد الروماني في القرون الأولى للمسيحية؟. ألم يخرج يوماً القديس أنبا أنطونيوس الكبير لتثبيت الشهداء وكان يتمنى هو نفسه أن يصير شهيداً، وألم يحاول العلامة أوريجانوس أن يسير على خطى والده ليصير شهيداً مثله لولا تدخل والدته لتمنعه من الاستشهاد؟

نصلي إلى ربنا يسوع المسيح، أن يجعل دمَ هؤلاء الشهداء، شهداء العصور القديمة والعصور الحديثة، بذارًا من أجل ثباتنا في الإيمان الحي، ومن أجل وحدتنا معاً وشركتنا الكاملة مع الثالوث الأقدس ومع بعضنا البعض.

اقبلوا محبتي في المسيح يسوع

أنبا إبيفانيوس

 

اضغظ هنا للتحميل