أحببتكم يقول الرب
في نبوءة الساعة الثالثة من ليلة الثلاثاء من البصخة المقدسة تأتي نبوءة افتتاح سفر ملاخي النبي، يقول النص: فتح كلام الرب لإسرائيل على يد ملاكه: ضعوا في قلوبكم إني أحببتكم يقول الرب.
بمعنى أن محبة الرب لبني إسرائيل كانت بسبب اختيار الله لهم في شخص إبراهيم وطاعة إبراهيم لهذا الاختيار، لذلك أحبه الله وأحب نسله.
وقلتم بم أحببتنا؟ أليس عيسو أخاً ليعقوب، يقول الرب، وقد أحببت يعقوب وأبغضت عيسو.
إن عبارة أحببت يعقوب وأبغضت عيسو لا تأتي في سفر التكوين، إذا ما هو المقصود هنا من هذه العبارة، أو ما هي صفات يعقوب وما هي صفات عيسو التي من أجلها صار هذا القول؟. يقول الكتاب عن يعقوب إنه كان «إِنْسَاناً كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ». أما عيسو فيقول عنه إنه «كَانَ إِنْسَاناً يَعْرِفُ الصَّيْدَ إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ» (تك 25: 27).
هنا يظهر الفرق بين الأخين، فيعقوب يمثل البشرية في هدوئها وكمالها واستماعها لكلمة الله. وعيسو يمثل البشرية في تمردها وعصيانها. يعقوب يرمز للبشرية المستكينة التي ترمي البذار في الأرض وتنتظر البركة من الرب لينمي هذا البذار، وعيسو يرمز للبشرية التي تتباهى بقوتها، وتعيش على اقتناص ما لا تملكه.
ثم تقول النبوة: وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَاباً وَمِيرَاثَهُ لِذِئَابِ الْبَرِّيَّةِ؟
ماذا فعل عيسو حتى يجعل الله ميراثه خرابًا؟ لقد صرح عيسو قائلاً: “هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى الْمَوْتِ فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟” (تك 25: 32). أي أنني لست في احتياج لبركات البنوة ولا يهمني الميراث الذي من الرب.
وهذا تمامًا ما فعله بني إسرائيل حسب ما جاء بالإنجيل الذي قُرئ علينا الآن (لو 13: 34-35):يا أورشليم يا اأورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا.
إنني أحببتكم يقول الرب. وهذا هو الدافع وراء الخلاص الذي تمَّمه الرب. وقد أوضحه الرب منذ أن خلَّص بني إسرائيل من أرض مصر: «لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي» (هو 11: 1).
فالدافع الحقيقي وراء فداء الرب لشعبه، هو محبته لهذا الشعب. فلماذا يصرِّح الرب أنه أحب يعقوب وأبغض عيسو؟
لقد صرح الرب يسوع أنه هكذا أحب الله العالم، العالم كله، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به (يوحنا 3: 16). ومع ذلك يقول إنه لم يأت ليدعو أبراراً للتوبة (متى 9: 13)، وأن الأصحاء لا يحتاجون لطبيب (متى 9: 12). أي أن الله لم يأت من أجل الأبرار ولا من أجل الأصحاء، فكيف؟
معناها أن الله أتي من أجل البشرية كلها، البشرية التي تحس بضعفها واحتياجها، البشرية التي تقبل الخلاص وتخضع له. لكنه لم يأت من أجل البشرية المتمردة التي ترفض سماع كلمة الله، وتحس بعدم احتياجها له.
أي أن المشكلة مرجعها لنا وليس لله، فالله أحب البشرية كلها، وبذل ذاته من أجلها. والبشرية التي أحسَّت بضعفها واحتياجها، قبلت الخلاص. أما البشرية المتمردة التي أحست بعدم احتياجها، فقد رفضت هذا الخلاص. وقد صرحت على لسان عيسو قائلة: “هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى الْمَوْتِ فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟” (تك 25: 32). أي أنني لست في احتياج لبركات البنوة لهذا الإله. أما البشرية التي أحست بضعفها فقد حاولت بكل جهدها، حتى ولو نجحت مرة وفشلت مرارًا، أن تحافظ على البركات التي أعطاها لها الله، حتى وإن لم تكن لا تستحقها. فمدحها الله وقال: أحببت يعقوب وأبغضت عيسو.