إِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ
بعد أن أعطى الرب يسوع مثل الخروف الضال، وكيف يترك الراعي التسعة والتسعين خروفاً من أجل البحث عنه، يقول بعدها مباشرة: «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ» (متى 18: 15).
فلماذا ربط ربنا يسوع بين الخروف الضال وخطيئة الأخ؟ لم يطلب الرب في هذا المثل أن يذهب المخطئ للاعتذار، بل طلب من الذي كان على حقٍّ أن يذهب هو للمبادرة بالصلح. وإن لم تتم المصالحة، فيجب الاستعانة بأكثر من شخص للوساطة، وأخيراً يجب أن تتدخل الكنسية. وإن فشلت كل هذه الجهود، فليكن عندك كالوثني والعشار.
ولكي نفهم معنى الوثني والعشار، نرجع لحياة الرب يسوع نفسه، الذي قيل عنه أنه: «مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ» (متى 11: 19)؛ معنى هذا أنه إن لم يسمع أخوك لمبادرة الصلح، يجب أن تعتبره مثل الوثني والعشار، ذلك الإنسان الضعيف الذي جاء المسيح من أجل خلاصه، والذي يستحق محبتك أكثر!
أليست هذه قصة الخليقة كلها؟
عندما أخطأ الإنسان الأول إلى الله، بادر الله نفسه للسؤال عن هذا الخروف الضال: «فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: أَيْنَ أَنْتَ»؟ (تكوين 3: 9). فلما ألقى آدم بالتهمة على حواء، وحواء بدورها ألقتها على الحية، عاد الله وأرسل الرسل والأنبياء، «لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ». ثم من بعدهم الكنيسة ممثلةً في الذبائح والشرائع والقوانين.
أخيراً، بعد فشل جميع محاولات إعادة الصلح مع تلك الخليقة التي ضلت وتاهت بعيداً، كان يجب أن يعاملها الربُّ مثل الوثني والعشار، أي مثل جُبلة ضعيفة ليس لها أية استطاعة على المصالحة، وليس عندها أي إمكانية للرجوع. فاضطر أن يترك التسعة والتسعين خروفاً التي لم تضل، وجاء للبحث عن هذا الخروف الضال.
يقول القديس كيرلس الكبير في تفسير إنجيل لوقا (عظة 106): [إن هذا المثل يوضح لنا صورة عن الحنان الإلهي … إن الله الآب أرسل ابنه من السماء لا ليدين العالم، كما يقول هو نفسه، بل ليخلص به العالم. فبأي طريقة كان مناسباً للعالم أن يخلص؟ ذاك العالم الذي أُمسك في شباك الخطيئة، وصار مذنباً بتهمة الشر، وصار خاضعاً لسيّدٍ قاسٍ أي الشيطان؟ هل كانت الطريقة المناسبة أن يعاقبه لسقوطه في التعدي والخطيئة، ألا يكون بالأحرى بأن يساعده … وأن يجدد إلى قداسة الحياة أولئك الذين لم يعرفوا كيف يعيشون باستقامةٍ؟].