اطلُبوا ما فَوْقُ
اطلُبوا ما فَوْقُ
«فإن كُنتم قد قُمتم مع المسيح فاطلبوا ما فَوْقُ، حيثُ المسيحُ جالسٌ عن يمين الله» (كو 3: 1). وما هي الأشياء التي فوق التي يحثنا الرسول بولس أن نطلبها، إلا الحياة الأبدية والوجود الدائم في حضرة الله. أما الحياة الأبدية، فهي معرفة الله الحقيقي، وابنه الوحيد يسوع المسيح (يو 17: 3). أما الوجود الدائم في حضرة الله فقد تحقق بصعود ربنا يسوع المسيح إلى السموات:
[لأن عمانوئيل بعد أن قام من بين الأموات، وهو باكورة جديدة وغير فاسدة للبشرية، قد صعد إلى السماء، لكي يظهر الآن أمام وجه الله الآب من أجلنا (عب 9: 24). ولم يكن ذلك في الواقع لكي يُقدم نفسه هو أمام نظر الآب، لأنه قائم فيه منذ الأزل، ولم ينفصل قط عن الآب لكونه إلهاً، بل هذا كان بالحري لكي يقدِّمنا نحن في ذاته إلى حضرة الآب] (القديس كيرلس الكبير).
إن من النتائج المباشرة لصعود ربنا يسوع المسيح، هو أن يقدِّمنا لله أبيه ونظهر دائماً أمام وجه الله: «أقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات» (أف 2: 6)؛ «لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة (أو مُخَبَّأة) مع المسيح في الله» (كو 3: 3). وقد وعدنا الرب يسوع قائلاً: «أنا أمضي لأعدَّ لكم مكاناً، ومتى أعددتُ لكم مكاناً، آتي وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 2و3). بل وأكثر من ذلك، فقد تأكدت بنوتنا لله الآب بصعود ابنه الحبيب من أجلنا:
[فليس لنفسه قد صعد المسيح ليظهر أمام وجه الله الآب، لأنه كان، وهو كائن، وسيكون دائماً في الآب، وهو ماثل أمام عيني أبيه الذي يفرح به في كل حين. لقد صعد الآن لأجلنا ولصالحنا نحن… لقد ظهر الآن كإنسان أمام الآب لأجلنا، ليوقفنا من جديد أمام وجه الآب، وجلس كابنٍ ليجعلنا نحن أيضاً نُدعى بسببه أبناءً وأولاداً لله] (القديس كيرلس الكبير).
كان الطريق إلى السماء مغلقاً في وجه البشرية عامة، ولكن بتجسد الرب وصعوده إلى السموات، انفتح لنا هذا الطريق، وكما يقول القديس أثناسيوس: [لقد افتتح الرب لنا من جديد الطريق الصاعد إلى السموات… ولم يكن الكلمة نفسه هو المحتاج أن تُفتح له الأبواب، إذ كان هو رب الكل ولم يكن شيء من المخلوقات مغلقاً أمام خالقه، ولكننا نحن الذين كنا نحتاج إلى ذلك، نحن الذين كان يحملنا في جسده الخاص. فكما أنه قدم جسده للموت نيابة عن الجميع، هكذا أيضاً بواسطة هذا الجسد قد هيَّأ لنا هذا الطريق الصاعد للسموات].
أو