المؤمن إنسان صداقة
The believer is a man of friendship
المؤمن إنسان صداقة
يعتقد الكثيرون أن الصداقة تعني مجرد الولاء ، لكن في المسيحية الصداقة تعني أكثر من الولاء، إنها تعبير عن المحبة.
أولاً: من هو المؤمن
المؤمن هو إنسان يحيا الحياة المسيحية كما نص عليها الكتاب المقدس، وكما عاشها الرسل متمثلين بالرب يسوع، كما يقول القديس بولس: «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضاً بِالْمَسِيحِ» (1كو 11 : 1). يتميز المؤمن بأن ثمار الروح القدس تظهر في حياته كل يوم: «وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ. وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ». (غلا 5: 22-23). وبهذه الثمار أو الخصال يتعامل مع كل الذين من حوله.
المؤمن إنسان يعيش حياة الحب كل يوم، الحب لله وللإنسان وللطبيعة ولكافة المخلوقات.
ثانياً: وما هي الصداقة
الصداقة نوع من أنواع المحبة في أرقى صورها. يقول الإنجيل: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ (لأجل أصدقائه u`pe.r tw/n fi,lwn auvtoà)» (يو 15 : 13). فالصداقة حب، والحب بذل حتى الموت من أجل من نحبهم.
والآن من هم أحباؤنا كمؤمنين. يعلمنا الرب يسوع قائلاً: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى، وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ» (مر 12: 30-31).
وقد أوضح الرب يسوع في مثل السامري الصالح (لوقا 10: 33) أن قريبي ليس هو قريبي بالجسد أو ابن قريتي أو حتى من يشاركني نفس المبادئ والأفكار، بل قريبي هو كل من يعمل معي رحمة، كل من لا يحمل عداوة لي، كل إنسان يشاركني هموم هذه الحياة، حتى لو اختلف معي في المبادئ والدين والإيديولوجيات، وحتى لو كان يُحسب عدواً لي من وجهة نظر دينية.
لقد عُرف عن الرب يسوع أنه كان محباً للعشارين والخطأة (لو 7: 34)، أي امتدت صداقته لكل الطبقات المهمشة والمظلومة والتي لم يقدم لها المجتمع حقها من الاحترام والتقدير.
كما عُرف أنه مدَّ يدَّ الرحمة لكل من طلب منه المساعدة سواء من أهل جنسه، أو من الغرباء عن وطنه، مثل قائد المئة الروماني (مت 8: 10) والمرأة الكنعانية أو الفينيقية (مر 7: 26)، ومثل السامري الذي شفاه من مرض البرص، وعاد إليه وحده شاكراً، فامتدحه المسيح أكثر من التسع برص الآخرين الذين شفاهم من بني جنسه (لوقا 17: 16).
كما أمرنا الرب يسوع أن نصنع لنا أصدقاء بمال الظلم (لو 16: 9)، أي بأموال هذا العالم التي معنا، كأمناء عليها، ويعني بالصداقة هنا تقديم أعمال الرحمة لكل محتاج.
لقد أوصى الرب يسوع أيضاً بأن تكون الصداقة مقدَّمة للجميع ولا تكون مشروطة بالمقابل: «وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضاً يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هَكَذَا» (لو 6: 32-33).
لقد اعتبر المسيح حتى الذين جرحوه أصدقاءَ وأحباء له، حيث يجيب في النبوءة على السؤال الذي وُجه إليه: ما هذه الجروح التي في يديك؟ فيجيب: هي التي جُرحت بها في بيت أحبائي (زك 13: 9). ولذلك أمر تلاميذه أيضاً أن يحبوا أعداءهم ويعتبروهم أصدقاء لهم (لو 6: 35). ولا توجد وسيلة أفضل من هذه لإيقاف مسلسل العداوات المتصاعدة.
لذلك نرى القديس بولس الرسول يجول مدن العالم المختلفة مقدماً الإيمان والسلام والمحبة للجميع دون تمييز، وهكذا نشر الإيمان بالمسيح في تلك المدن. وصار له تلاميذ وأصدقاء في كل مدينة، ويمكننا أن نرى ذلك في سلسة الأصدقاء والأحباء الذين يذكرهم، (رومية 16).
وعلى هذه المبادئ عاش المؤمنون بالمسيح، متمثلين بحياة الرب يسوع والتلاميذ من بعده.
تروي لنا سيرة القديس أنبا مقار الكبير، مؤسس الرهبنة في أسقيط مصر، أنه بينما كان يسير في البرية مع أحد تلاميذه، فرأى إنساناً عابد وثن يجري إلى معبده، فقال له: طوباك يا رجل النشاط. وبهذه التحية الطيبة استمال الكاهن إلى صفه وأصبح أحد تلاميذه. وقد علَّق القديس أنبا مقار قائلاً: إن الكلمة الطيبة من شأنها أن تجعل الناس الأشرار صالحين (Apophthegmata Patrum, Macarius 39).
وكان القديس فرنسيس الأسيزي، مؤسس الرهبنة الفرنسسكانية، صديقاً لكل عناصر الطبيعة، حتى أنه كان يخاطب المخلوقات جميعاً بلقب أخي وأختي: أختي الشمس وأخي القمر، وحتى الطيور والنباتات.
لقد استطاع أقباط مصر أثناء الفترة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011 أن يتجاوزوا هذه الأيام الطاحنة بسبب صداقتهم مع أبناء وطنهم من المسلمين، الذين كانوا خير عون لهم حتى عبرت الأمة كلها هذه المحنة، بالرغم مما تعرض له الجميع من مصاعب. وعندما أراد المسلمون أن يحموا الكنائس بأجسادهم، كان رد البابا تواضروس: الكنائس فداء الوطن. من الممكن إعادة بناء الكنائس، لكننا لن نضحي بأرواح أخوتنا المسلمين.
إذا استطعنا أن نحيا حياة الإيمان كما نص عليها الكتاب المقدس، يمكننا أن نحول جميع الناس المحيطين بنا إلى أصدقاء لنا، وأحباء، وهكذا تختفي روح العداوة بيننا وتحل محلها روح الصداقة والمحبة.