كان الجميعُ معاً بنفس واحدة
كان الجميعُ معاً بنفس واحدة
الروح القدس هو روح الوحدة، وحيثما يوجد التآلف والانسجام بين المؤمنين، ارتضى روحُ الله أن يحلَّ ويسكن فيهم: «وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أع 2: 1-4).
لكن إن تفشَّى بين جماعة المؤمنين روحُ الانقسام والتحزب غاب روحُ الله عن هذه الجماعة، إذ يصيرون جسديين وليسوا روحيين: «فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟ لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: أَنَا لِبُولُسَ، وَآخَرُ: أَنَا لأَبُلُّوسَ، أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟» (1كو 3: 3-4).
وكما يحلُّ الروح القدس في الجماعة المتحدة، فإنه يعمل أيضاً على وحدتنا بعضنا ببعض، ويقودنا للحياة الأبدية: [هذا هو الروح الذي قال (القديس) لوقا عنه: إنه بعد صعود الرب، نزل على التلاميذ في يوم الخمسين، وله سلطان على جميع الأمم ليُدخلهم الحياة ويفتح لهم العهد الجديد. ولذلك صاروا يسبِّحون الله بتوافق في جميع اللغات، وكان الروح يجمع في الوحدة القبائل المتخالفة، ويقدِّم للآب باكورة من جميع الأمم] القديس إيرينيئوس.
وكما يعمل الروح القدس على تآلف المؤمنين معاً، فإنه أيضاً يوحِّدنا مع الله: [حينما يقول المخلِّص لأجلنا: كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا (يو 17: 21)، هو لا يقصد بذلك أننا سنكون مساويين له، ولكنها طلبة مرفوعة إلى الآب، كما كتب يوحنا، لكي يُعطى الروح بواسطته للمؤمنين، ذلك الروح الذي بسببه نُعتبر كائنين في الله، بل ومتَّحدين معاً في الله] القديس أثناسيوس.
لقد أراد سكان الأرض قديماً، عندما طلبوا أن يبنوا لأنفسهم بُرجاً رأسه بالسماء، أن يتكتَّلوا معاً لئلا يتبدَّدوا على الأرض، ولم يكن هدفهم الوحدة في الله، بل التَّجمع بمعزلٍ عن الله، فشتتهم الله وفرَّق ألسنتهم (تك 11: 1-9). [لكن عندما اجتمع التلاميذ في بيت واحد في يوم الخمسين، امتلأ الجميع من الروح القدس، وبدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا. فبماذا كانوا يتكلمون؟ بمؤازرة الروح كانوا يتكلمون عن الانطلاق إلى فوق، وعن الصعود إلى السموات في المسيح بواسطة الإيمان، وعن اجتماع كل ما في المسكونة من ألسنة، أي من شعوب وأمم، إلى الوحدانية في الروح… إذن فقد كان تعدُّد الألسنة في حادثة البرج آية للتشتت والتفرُّق إلى جميع الأمم، وأما في المسيح فقد صار آيةً للانجماع في الوحدانية بواسطة الروح] القديس كيرلس الكبير.