وأما خوفهمْ فَلا تخَافوه
اختار الربُّ يسوعُ تلاميذَه الاثني عشر، وأرسلهم للكرازة بالإنجيل. وكان يجب عليه أن يشجعهم حتى لا يتراجعوا عن الكرازة. لكننا نراه وكأنه يبثُّ الرعبَ في قلوبهم: «هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ.» (متى 10: 16-18).
لم يكن هدف الرب أن يرعب تلاميذه، بل أرادهم أن يدركوا ممن يخافون؟ ولماذا الخوف؟
ممن نخاف؟ قالها الرب يسوع صراحة: «وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا»؛ ولماذا الخوف: «بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (متى 10: 28). فقتل الجسد ليس نهاية الحياة، لأن حياتنا في يد الله، حياتنا الأبدية، وخلاصنا الأبدي. والشيء الوحيد الذي يرعبنا من الموت، أن يتبع هذا الموت الهلاك الأبدي.
هل يخاف المؤمن من الموت؟ فكيف إذًا يكون مؤمنًا، وهو دائمًا يردد مع بولس الرسول: «أَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ» (2تيموثاوس 1: 12).
إن ثقة الرسل والتلاميذ بالرب يسوع، وإيمانهم أنه قادر أن يحفظهم بيمينه حتى النفس الأخير، هي ميراث حيّ تتوارثه الأجيال، ينتقل إلينا بفعل الروح القدس في الكنيسة، هي ثقة لم تمت برحيل جيل الرسل والتلاميذ، بل هي ثقة حيّة على مدى العصور، تشاهدها الكنيسة كل يوم، وتحياها وتختبرها في أولادها.
هل رأى شهداء المنيا ما رآه الشماس استفانوس: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ» (أعمال 7: 56)؟ ربما رأوا أكثر من ذلك، لذلك لم يجفل أحدٌ منهم، ولم يتراجع عن الشهادة، بل قدموا حياتهم الأرضية بخورًا على مذبح الحب السماوي.
وعندما تقدموا للشهادة، كانوا على ثقة أن نفوسهم سوف تصعد أمام العرش الإلهي، لتستقر تحت المذبح، لحين أن يكمل أخوتهم في الإيمان الجهاد مثلهم: «وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ» (رؤيا 6: 9). هذا ما أعتقده، وإلا ما كانوا تقدموا بكل شجاعة، مردِّدين كلمة بطرس الرسول: «وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا» (ا بطرس 3: 14).
«وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً لِي: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ». «نَعَمْ» يَقُولُ الرُّوحُ: «لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ» (رؤيا 14: 13).