في تأبين مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل أنبا إبيفانيوس

من تراث الأدب القبطي:
أين الراعي الصالح الذي للشعب المقدس؟ أين قائد القطيع المُكَرَّم؟ إلى أين سيمضي؟ أو إلى أي مكانٍ سيذهب؟ فارقنا الذي لم يعتد أن يفارق قطيعَ خرافه ساعةً واحدةً. الإكليروس مغتم لأجله، والشعب متوجع القلب بسببه، والكنيسة حزينة.
سيجوع إليه محبو العلم لأنه كان معلّمهم، والمستقيمو الإيمان لأنه كان يعلمهم عن الله بكلماته.
مَن سيقدر أن يبني النفوسَ البشرية هكذا؟ لن نجد آخرَ مثله على الأرض، يلقي المالَ جانبًا، مثل ذاك، ويختار لنفسه الفقر بإرادته، ويحب اللهَ، ويزدري بمجد الحياة. مَن سيقدر أن يصنع لنفسه حُرية كهذا، ويقدر أن يحارب عن البر؟ كان يقنعهم بحديثه، ويخجلهم بأسلوبه، ويسكتهم (بنمط) حياته، ويجعلهم يتعجبون من دالته، ويملك زمامهم بهيبته.
قد فارقنا رجلٌ متمثِّل بالله، فخر وصلاح كل إنسان، شبيه الرسل، الخادم الحقيقي المؤتَمَن الذي للمسيح، شبيه الملائكة، الذي أظهر رعوية السماء على الأرض، سابقًا بتعيين الروح، والآن أيضًا برقاد جسده.
مَن الذي هدم غيرتنا الحسنة؟ مَن الذي استأصل لسان المدينة؟ مَن الذي سلب الكنيسة صوتها؟ مَن الذي طمر بئر الماء إلى الأبد، ذلك الينبوع الذي يفيض عسلاً؟ مَن الذي سدَّ الفم الأكثر تناغمًا من المزمار والقيثارة؟ ترنيمته عن الله باقية، مملوءة حكمة.
أين هي الكلمات الأغزر من قطرات المطر؟ فلا تزال كلمات ذلك الصوت الحلو تطن في آذاننا.
لكن فلنسبح الله، حبيبنا، ولا نغضب منه، بل لنحزن ونبكي هكذا على الحي كما لو أنه ميت. لأن البار لم يمت، بل رقد، وهو ينتظر ساعة القيامة. إذا ما مات قومٌ أشرار في حياتهم، وَجَبَ أن ننوح عليهم؛ لأنهم ذاهبون إلى الدينونة. أما إذا مات الصالحون، فحري بنا أن نباركهم (نمدحهم)؛ لأن كمال (سعيهم) قد حدث بإكرام، كما هو مكتوب: ”كريم عند الرب موت قديسيه“.
فلنُعَزِّ أنفسنا بتعزيته، لأن ذكرى الصِّدِّيق مشهورة وحسنة. وبقاء ذاك كان من أجلكم، أما انحلاله، ليكون مع المسيح، فأفضل له. فدعونا لا نحزن على مَن كرَّمه الله، فنُفْسِد تعزيتنا، بل لنتذكر، يا أحبائي، بالحري ذلك اليوم الذي سنقوم فيه. وإن كنا مستحقين فسوف نراه في صفوف الملائكة، واقفًا مع المسيح يخدمه روحيًّا مع رسله؛ إذ إنه أيضًا حتى الآن لم يتوقف عن خدمته أبدًا، متشفعًا فينا. لأنه سوف يتكلم مع الله عن قرب، ليس في مرآة ومثال كما كان وهو على الأرض، بل الآن وجهًا لوجه. وكرامته لم تعد من البشر، بل من الله ذاته.

صموئيل قزمان معوض