وداعًا أنبا إبيفانيوس
الأسقف القديس، العالم والشهيد
ننعي ببالغ الحزن والأسى أسقفنا الطاهر الوديع الذي عاش بيننا في زهد وتجرد تام عن كل مظاهر الأسقفية، ببساطة الرهبان، بلا عمامة ولا عصا ولا صليب ذهبي، بل ولم يكن يقبل إطلاقًا تقبيل يده أو السجود له تكريمًا لرتبته الكهنوتية. ولا حتى إجراء الطقوس الخاصة بالأساقفة عند حضوره الكنيسة من الألحان والمدايح والمزامير.
عاش بيننا كواحد مِنَّا، بلا تعالٍ أو ترؤُّس بأي شكل من الأشكال، وديعًا متواضعًا كسيِّده المسيح، حتى أنه لم يكن يستنكف أن يكون بيننا كالذي يخدم حسب قول المسيح: “أنا بينكم كالذي يخدم” (لو 22: 27).
كان منذ رهبنته مستعدًّا دائمًا للبذل والخدمة، حتى أنَّ أباه الروحي المتنيح القمص متى المسكين اختاره لمرافقته في رحلته العلاجية لأمريكا عام ١٩٩٧م. وطلب منه مرافقتي في رحلتي العلاجية لألمانيا عام ٢٠٠٢م. وظل على عهده دائمًا في الاهتمام بالمرضى، وبالأخصِّ الذين في مراحل مرضهم الخطيرة، مثل الأب باناجياس والأب لوقا، اللذيْن خدمهما ورافقهما حتى رقادهما الأخير، في محبة وبذل وعطاء مخلص ووداعة.
ولم يتحلَّ فقط بعنايته للمرضى، بل تميَّز أيضًا بحبِّه للدراسة والبحث. فاستأمنه الدير على المكتبة والمخطوطات، فعكف على البحث والدراسة، فأتقن اللغة القبطية واليونانية ودراسة المخطوطات، وكَتَب المقالات في مجلة مرقس وفي مجلة مدرسة الإسكندرية ربع السنوية. وله مؤلفات عدَّة مثل الدراسة في كتاب بستان الرهبان، وترجمة سفر التكوين إلى العربية من الأصل اليوناني للترجمة السبعينية، والقداس الباسيلي والغريغوري، وميامر من المخطوطات.
كما استأمنه الدير على حساباته البنكية من حيث إيراداته ومصروفاته فأخلص فيها وأجادها.
وحضر قبل رسامته أسقفًا أحد المؤتمرات الخاصة بالدراسات القبطية مع نيافة الأنبا مارتيروس.
وقبل أن يتنيح مثلث الرحمات الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس الدير السابق، طلب من قداسة البابا تواضروس الثاني أن يرسم لدير القديس أنبا مقار واحدًا من رهبانه الذي يختاره الرهبان، ووقع الاختيار عليه ورُسم في 10 مارس 2013م.
وبعد اختياره ظهرت مواهبه بالأكثر، فحضر الكثير من المؤتمرات التي أوفده إليها قداسة البابا، فشرَّف الكنيسة ومصر في جميع هذه المحافل والمؤتمرات، حيث اتَّسمت حياته ومحاضراته بالعمق والاستنارة والفهم والدراسة المتميزة في جميع فروع العلوم الكنسية المتنوعة، وكانت له إسهامات كبيرة في المؤتمرات التي حضرها، سبَّبت في صدى عالمي مشرِّف لمصر وللكنيسة القبطية في حوار الديانات وندوات مكتبة الإسكندرية. علاوة على أمانته في رعاية الدير وحثِّ الرهبان على السلوك الرهباني والتوبة وتجديد الحياة ومحبة المسيح كهدف أساسي للرهبنة.
نسأل الله أن ينيِّح روحه الطاهرة في أحضان القديسين، وأن يعزِّي قداسة البابا ومجمع الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة وأولاده رهبان الدير، ومصر كلَّها في هذا المصاب الفادح، بل وكل أحبائه وعارفي فضله في كل أنحاء العالم، وأن يهبنا من يصلح لاستكمال مسيرته، ويكشف الجاني من أجل خلاص نفسه، ونجاته من دينونة الله الرهيبة.
الراهب يوحنا المقاري