الجهاد القانوني
(2تي 2: 1-13)
الجهاد القانوني
- فَتَقَوَّ انْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.
Σὺ οὖν, τέκνον μου, ἐνδυναμοῦ ἐν τῇ χάριτι τῇ ἐν Χριστῷ Ἰησοῦ,
- وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أوْدِعْهُ أنَاساً أمَنَاءَ، يَكُونُونَ أكْفَاءً أنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أيْضاً.
καὶ ἃ ἤκουσας παρ᾽ ἐμοῦ διὰ πολλῶν μαρτύρων, ταῦτα παράθου πιστοῖς ἀνθρώποις, οἵτινες ἱκανοὶ ἔσονται καὶ ἑτέρους διδάξαι.
- فَاشْتَرِكْ أنْتَ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.
Συγκακοπάθησον ὡς καλὸς στρατιώτης Χριστοῦ Ἰησοῦ.
- لَيْسَ أحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ الْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ،.
οὐδεὶς στρατευόμενος ἐμπλέκεται ταῖς τοῦ βίου πραγματείαις, ἵνα τῷ στρατολογήσαντι ἀρέσῃ.
- وَأَيْضاً إنْ كَانَ أحَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً.
ἐὰν δὲ καὶ ἀθλῇ τις, οὐ στεφανοῦται ἐὰν μὴ νομίμως ἀθλήσῃ.
- يَجِبُ أنَّ الْحَرَّاثَ الَّذِي يَتْعَبُ يَشْتَرِكُ هُوَ أوَّلاً فِي الأَثْمَارِ.
Τὸν κοπιῶντα γεωργὸν δεῖ πρῶτον τῶν καρπῶν μεταλαμβάνειν.
- افْهَمْ مَا اقُولُ. فَلْيُعْطِكَ الرَّبُّ فَهْماً فِي كُلِّ شَيْءٍ.
νόει ὃ λέγω· δώσει γάρ σοι ὁ κύριος σύνεσιν ἐν πᾶσιν.
- اُذْكُرْ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ بِحَسَبِ إنْجِيلِي،.
Μνημόνευε Ἰησοῦν Χριστὸν ἐγηγερμένον ἐκ νεκρῶν, ἐκ σπέρματος Δαυίδ, κατὰ τὸ εὐαγγέλιόν μου,
- الَّذِي فِيهِ أحْتَمِلُ الْمَشَقَّاتِ حَتَّى الْقُيُودَ كَمُذْنِبٍ. لَكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لاَ تُقَيَّدُ.
ἐν ᾧ κακοπαθῶ μέχρι δεσμῶν ὡς κακοῦργος, ἀλλὰ ὁ λόγος τοῦ θεοῦ οὐ δέδεται·
- لأَجْلِ ذَلِكَ أنَا أصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ، لِكَيْ يَحْصُلُوا هُمْ أيْضاً عَلَى الْخَلاَصِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مَعَ مَجْدٍ أبَدِيٍّ.
διὰ τοῦτο πάντα ὑπομένω διὰ τοὺς ἐκλεκτούς, ἵνα καὶ αὐτοὶ σωτηρίας τύχωσιν τῆς ἐν Χριστῷ Ἰησοῦ μετὰ δόξης αἰωνίου.
- صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: انَّهُ انْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أيْضاً مَعَهُ.
πιστὸς ὁ λόγος· εἰ γὰρ συναπεθάνομεν, καὶ συζήσομεν·
- إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أيْضاً مَعَهُ. إنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أيْضاً سَيُنْكِرُنَا.
εἰ ὑπομένομεν, καὶ συμβασιλεύσομεν· εἰ ἀρνησόμεθα, κἀκεῖνος ἀρνήσεται ἡμᾶς
- إِنْ كُنَّا غَيْرَ أمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أمِيناً، لَنْ يَقْدِرَ أنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ.
εἰ ἀπιστοῦμεν, ἐκεῖνος πιστὸς μένει, ἀρνήσασθαι γὰρ ἑαυτὸν οὐ δύναται.
هنا يضع القديس بولس الرسول هذه القاعدة: وَأَيْضاً إنْ كَانَ أحَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً.
ἐὰν δὲ καὶ ἀθλῇ τις, οὐ στεφανοῦται ἐὰν μὴ νομίμως ἀθλήσῃ.
أي إن لم يجاهد الإنسان حسب الأصول القانونية المتعارف عليها، لن ينال إكليل النصرة. فما المقصود بكلمات الإكليل والجهاد القانوني؟
وكلمة تاج أو إكليل تتكرر في كتاب العهد الجديد عدة مرات، وإذا رجعنا إلى النص اليوناني نجد هناك كلمتين تترجمان في العربية إلى كلمتي تاج وإكليل. وهناك اختلاف واضح في معنى الكلمتين. وكِلاَ الكلمتين كانتا تُستعملان في الحياة العامة في القرن الأول المسيحي أثناء التحدُّث باللغة اليونانية، لغة العهد الجديد. ومن الأفضل معرفة معنى كل كلمة حتى نحصل على مفهوم كامل ودقيق لآيات العهد الجديد التي تتكرر فيها هذه الكلمة.
الكلمة الأولى هي ”στέφανος – ستفانوس“ والتي تُرجمت في العهد الجديد بكلمة ”إكليل“، وهي تشير إلى الإكليل الذي يحصل عليه الفائز في المباريات الرياضية اليونانية، مثل العدَّاء الذي يُنهي السباق أولاً، ورامي القرص الذي يصل برميته إلى أبعد مسافة، والمصارع الذي يصرع منافسه ويطرحه أرضاً. وكان أيضاً يُمنح لخادم الدولة الذي يستحق التكريم، كما كان يلبسه العروسان في طقس سرِّ الزيجة الذي يُعقد عليهما. لذلك يُعتبر الإكليل (ستفانوس) رمزاً للنصر وللتكريم وللاحتفالات السعيدة. وكان هذا الإكليل يُصنع كضفيرة من أفرُع شجر السنديان والزيتون وبعض أفرع الزهور والنباتات الخضراء مثل الريحان والبنفسج والورود. وكانت الكلمة ”ستفانوس“ تُعطي معنى المكافأة أو المجازاة أكثر من كونها مجرد إكليل من الزهور([1]).
أما الكلمة الأخرى التي تُترجم إلى كلمة ”تاج“ في العهد الجديد فهي ”διάδημα – دياديما“. وهذا الاسم اليوناني مشتق من فعل معناه: ”يربط معاً“، وهو يشير إلى شريط أزرق مُحلَّى بعلامات بيضاء كان يلبسه الملوك الفُرْس فوق العمامة أو لباس الرأس كزينة للرأس وكتعبير عن الملوكية([2]).
فالكلمة الأولى ”ستفانوس“ هي إكليل النصر، بينما الثانية ”دياديما“ فهي تاج الملوكية. وسوف نورد بعض الآيات التي وردت بها هاتان الكلمتان للتمييز بينهما.
♦ ففي رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس (9: 24-27) يذكر أثناء حديثه عن الخدمة المسيحية حلبة السباق اليونانية كرمز لنشاط المسيحي في خدمته لسيده المسيح. فيقول: «ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحداً منهم يأخذ الجعالة»؟ فهو يشرح هنا أن العدَّاء اليوناني يجري في السباق لكي ينال إكليلاً يفنى مصنوعاً من أفرع الشجر وبعض الزهور، التي سوف تذبل سريعاً. أما المسيحي ففي نهاية خدمته سوف ينال إكليلاً لا يفنى: «هكذا اركضوا لكي تنالوا… أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى».
فعلى هذا المسيحي الذي يشتاق أن ينال هذا الإكليل الدائم، أن يُداوم على الجهاد الطويل الموضوع أمامه، وهذا الجهاد يحتاج إلى نشاط ويقظة وتمارين مستمرة. وحسب تعبير بولس الرسول في نهاية هذه الآيات: «بل أَقمع جسدي واستعبده (أي أُصيِّره عبداً لي)، حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً». وكلمة ”مرفوضاً“ هنا في اللغة اليونانية مشتقة من فعل معناه ”يوضع تحت الاختبار، وبعد اجتيازه الاختبار يُرفض لأنه لم يكن صالحاً لهذا الاختبار“.
والقديس بولس أيضاً يستعير هذه الصورة من حلبات السباق اليونانية، فهو تعبير فني معناه ”رَفض المتسابق وعدم نواله الإكليل لخرقه قواعد السباق“. فإن لم يُمارس بولس ما يكرز به، فسوف يُرفض، ولن يكون له الحق في الإكليل الذي سيناله مَن يقوم بالخدمة المسيحية. فهو يخاف أن تؤخذ منه خدمته الرسولية وتُعطَى لآخر. عندما يقرأ هذه النص أحد مؤمني الكنيسة الأولى، فسوف يفهم ما يقصده بولس الرسول، وذلك بسبب معرفته لقواعد الألعاب اليونانية في أيامه، وسيدرك أن الرسول لا يتكلَّم هنا عن خلاصه الأبدي، لأنه قال في موضع آخر: «لأنني عالمٌ بمَن آمنت، وموقِن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم» (2تي 1: 12)؛ بل الرسول هنا يضع عينه على المكافأة التي هي إكليل الرسولية.
وفي رسالته إلى أهل فيلبي (4: 1) يدعو القديس بولس القديسين بأنهم ”إكليله“: «إذاً يا إخوتي الأحبَّاء والمشتاق إليهم، يا سروري وإكليلي». فكما تُجدل أغصان شجر السنديان مع بعض الزهور لتصنع إكليلاً يوضع على الرأس، هكذا يقول بولس الرسول لمؤمني فيلبي: ”أنتم، أيها الفيليبيُّون، مجدولون معاً في إكليل انتصاري كرمز دائم لنصرتي على أعوان إبليس في فيلبي ودليل مكافأة خدمتي الرسولية عندكم“.
أما عن أهل تسالونيكي الذين ربحهم للمسيح، فهم يمثلون إكليل فرح يُزين به هامته في مجيء الرب يسوع: «لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ افْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟. لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا» (1تس 2: 20،19).
أما في رسالته لتلميذه تيموثاوس (2تي 4: 6-8)، فهو يتكلَّم عن إكليل البر، وأيضاً ما يزال في فكر القديس بولس الصورة الرياضية اليونانية، فهو يقول: «قد جاهدتُ الجهاد الحسن». لم يجاهد ”جهاداً حسناً“ كمجهود شخصي يُشكر عليه، بل ”الجهاد الحسن“، أي الجهاد الرسمي أو القانوني المطلوب منه. وهنا صورة الاستاد الرياضي حيث يتجمَّع المشاهدون ليروا اثنين من المصارعين وكل منهما يجاهد أو يُصارع قانونياً حسب قوانين اللعبة، وذلك لكي ينال إكليلاً من الزهور يُزين به هامته. والجهاد يُصوَّر أنه ”حسن“، ليس من وجهة نظر المتصارع، بل من وجهة نظر المشاهدين والحُكَّام. ثم ينتقل بولس الرسول إلى صورة أخرى ويقول: «أكملت السعي». وهو هنا يُصوِّر حلبة سباق وهو يجري في مضمار وقد أتى إلى نهايته. أما النهاية التي ينظر إليها فسوف تتحقق في روما عندما ينال إكليل الاستشهاد بعد فوزه في هذا السباق «وأخيراً وُضع لي إكليل البر».
ويتكلَّم القديس يعقوب عن ”إكليل الحياة“: «طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكَّى ينال إكليل الحياة» (يع 1: 12). وهو أيضاً ليس ”إكليل حياة“، بل ”إكليل الحياة“، أي الحياة التي هي المسيح يسوع ربنا: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يو 14: 6). فالإكليل الممنوح هنا هو إكليل نصرة على التجربة والخطية تُعطي صاحبها مكافأة الحياة في المسيح يسوع كخبرة حية يعيشها المسيحي كل يوم.
ويستعير القديس بطرس الرسول نفس صورة إكليل النصرة الرياضي المستعمل في العالم اليوناني، بالرغم من تربيته وثقافته اليهودية. فهو يُخاطب المؤمنين الذي أقامهم الرب رعاة وأساقفة، حاثاً إيَّاهم أن يرعوا رعية الله كأمناء وليس كمتسلِّطين، حتى إن أكملوا مهمتهم بكل أمانة يكون نصيبهم في النهاية، ليس إكليل زهور يبلى، بل «إكليل المجد الذي لا يبلى» (1بط 5: 4).
أما القديس يوحنا فيكتب من جزيرة بطمس إلى ملاك كنيسة سميرنا مُشجِّعاً إيَّاه بسبب الاضطهاد الواقع عليه بقول الرب أنْ «كُن أميناً إلى الموت فسأُعطيك إكليل الحياة» (رؤ 2: 10). وكلمة ”إلى الموت“ لا تعني ”لغاية الموت“، بل ”حتى إلى حدِّ الموت“. ونفس هذه الكلمة هي المستعملة في رسالة فيلبي (2: 8) حيث قيل عن الرب يسوع: «وضع نفسه وأطاع حتى الموت»، أي أن طاعته أدَّت به إلى موت الصليب. فالقديس يوحنا هنا يُخطاب ملاك (أي أسقف) وشعب كنيسة سميرنا، حيث تشير هذه الكنيسة إلى عصر الاستشهاد الذي ستواجهه الكنيسة، أن يحفظوا أمانتهم وشهادتهم للمسيح، محتملين حروب إبليس المزمع أن يُلقي بعضاً منهم في السجن لكي يُجرَّبوا؟ حتى لو أدَّت هذه الشهادة إلى الموت الجسدي، فستكون مكافأتهم إكليل الحياة، مكافأة تُعطَى لهم كانتصار وتتويج لجهادهم، مع الموعد بانعدام سلطان الموت الأبدي عليهم بسبب حصولهم على إكليل الحياة: «مَن يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني» (رؤ 2: 11). ومن العجيب أن يكون أول شهيد في المسيحية ينال إكليل (ستفانوس) الاستشهاد هو الشهيد اسطفانوس الذي يعني اسمه ”الإكليل“.
كما يحث القديس يوحنا ملاك كنيسة فيلادلفيا أن يتمسك بما استلمه وبما حقَّقه من خدمة وجهاد لئلا يأخذ أحدٌ إكليله (رؤ 3: 11)، أي يستولي أحدٌ على مكافأة نصرته في الخدمة. أما الأربعة والعشرون شيخاً الجلوس على أربعة وعشرين عرشاً، فلهم على رؤوسهم أكاليل انتصار من ذهب علامة على نصرتهم النهائية ومكافأتهم بأكاليل لا تفنى (رؤ 4: 4). كذلك أيضاً المرأة المتسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها، والتي ترمز إلى الكنيسة، فهي تضع أيضاً على رأسها إكليلاً من اثني عشر كوكباً، دليل نصرتها النهائية على إبليس وعلى النبي الكذَّاب (رؤ 12: 1).
أما بالنسبة للإكليل الذي وُضع على رأس المخلِّص أثناء صلبه (مت 27: 29) فلم يقصد به اليهود أن يكون إكليل نصرة، بل تاجاً للاستهزاء برب المجد. ولكن الكلمة المستعملة هنا هي ”إكليل“ – ستفانوس – فذلك لأنه كان من أغصان الشوك المجدولة على هيئة تاج. فما أراده الجنود الرومان أن يكون تاج ملوكية للاستهزاء بالصليب، تحوَّل إلى إكليل نصرة على رأس المخلِّص. لذلك يصف بولس الرسول مشهد انتصار الرب المصلوب على الموت والهاوية قائلاً: «شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح» (2كو 2: 14)، مُكلَّلاً بإكليل النصرة مُصطحباً معه كل المؤمنين الذين حررهم من أَسْر إبليس وجعلهم لأبيه ملوكاً وكهنة.
♦ نأتي إلى الكلمة الثانية والتي تُرجمت إلى ”تاج“، والتي لم تَرِد في العهد الجديد سوى ثلاث مرات، وهي كلمة ”دياديما“، والتي كانت عبارة عن شريط أزرق يُلبَس فوق العمامة عند ملوك الفُرس كدليل على الملوكية، لذلك كان من الممكن أن يوضع على الرأس عدة شرائط أو تيجان من هذا النوع. فعندما غزا الملك بطليموس ملك مصر أنطاكية ودخلها منتصراً، كان يضع على رأسه تاجين: أحدهما يُعلن به ملوكيته على آسيا، والآخر دليل ملوكيته على مصر (سفر المكابيين الأول 11: 13).
وفي سفر الرؤيا نرى التنين الذي خرج لمحاربة الكنيسة يضع على رأسه سبعة تيجان (رؤ 12: 7) كدليل على ملوكيته أو سيطرته على الملوك السبعة التي تحارب كنيسة الله (رؤ 17: 10). وضد المسيح الذي هو الوحش الذي خرج من البحر، كان له عشرة تيجان ملوكية على رأسه (رؤ 13: 1) دليل على ملوكيته على ملوك الأرض الذين يمثلون المملكة المضادة لمملكة المسيح، التي ستملك بقوة الوحش وسلطانه (رؤ 17: 13،12).
أما الرب يسوع فقد وصفه سفر الرؤيا قائلاً: «ثم رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض والجالس عليه يُدعى أميناً وصادقاً، وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة» (رؤ 19: 12،11). هذه التيجان الكثيرة (دياديما) التي تُزين هامة الرب يسوع تمثل كل الممالك والشعوب التي سيملك عليها الرب يسوع، لأنه بالحق أخذ لقب «ملك الملوك ورب الأرباب» (رؤ 19: 16).
40 – [قيل عن الأب مقاريوس: إنه كان قد جعل لنفسِه قانوناً وهو أنه إذا قدَّم له الإخوةُ نبيذاً كان لا يمتنع من شربهِ، لكنه عِوض كلِّ قدحِ نبيذٍ يشربه، كان يصومُ عن شربِ الماءِ يوماً. فأما الإخوة فلكي ما يكرِّموه كانوا يعطونه، وهو لم يمتنع بدورِهِ إمعاناً في تعذيبِ ذاتهِ. أما تلميذُهُ فلمعرفتِه بأمرِ معلمِه، طلب من الإخوةِ من أجلِ الربِّ ألا يعطوا الشيخَ نبيذاً لأنه يعذِّبُ ذاتَه بالعطشِ. فلما علموا الأمرَ امتنعوا عن إعطائهِ نبيذاً منذ ذلك الوقتِ] (س5: 24ظ) (Abc. Macarius 10).
74 – [جاء عن القديس باخوميوس: كان والدُه من الصعيدِ الأعلى عابداً للأصنامِ. ففي ذاتِ يومٍ تجنَّد باخوميوس ضمن جنودِ الملكِ. فحدث بينما كانوا مسافرين وهم بحالٍ سيئةٍ للغايةِ، أن أتاهم قومٌ مسيحيون من إسنا بطعامٍ وشرابٍ في المعسكر. فسأل باخوميوس: «كيف أمكن لهؤلاء الناسِ أن يتحنَّنوا علينا وهم لا يعرفوننا قط»؟ فقيل له: «إنهم مسيحيون، وإنهم يفعلون ذلك من أجلِ إلهِ السماءِ». فلما سمع باخوميوس هذا الكلامَ قرَّر في نفسِهِ أنه لو أُتيحت له فرصةٌ يصيرُ مسيحياً ويخدم المحتاجين. وبتدبيرِ اللهِ غلب الملكُ أعداءَه وأصدر أوامرَه بتسريح الجنودِ. فرجع باخوميوس وتعمَّد. وبعد ثلاث سنين ترهبن عند راهبٍ قديس اسمه بلامون. ولوقته شَرَعَ في إقامةِ شركةٍ حتى يساعدوا بعضُهم بعضاً، ويقوموا بإعالةِ المحتاجين والضعفاء. فاجتمع إليه كثيرون وبنوا أديرةً واتخذوا لهم عيشةً مشتركةً. وكان القديسُ يرسل لهم قانونَ العبادةِ وشُغلَ اليدِ والتصريفَ اللائق، ويدبِّرهم في الجلوسِ والقيامِ والسكوتِ والكلامِ. ويتشدد في ذلك إلى أبعدِ حدٍّ] (س5: 34ظ) (Pa.boh. I, 7-10).
215 – [وقال أيضاً: «إن أشغل الشياطينُ قلبَك بأتعابٍ تفوق طاقتك، فلا تُطعهم لأنهم يُشغلون قلبَ الإنسان بأمورٍ لا يقوى عليها حتى إذا ضَعُفَ وقع في أيديهم، فيضحكون عليه لأن كلَّ أمورِ العدو هي بلا نظام وبلا حدود. ولكن كُلْ مرةً واحدةً في النهار، وأعطِ جسدَك حاجته بقدرٍ بحيث تكفَّ عن الطعام وأنت لا زلت تشتهيه. كذلك سهرك يكون بقدرٍ، اسهر نصفَ الليلِ في الصلاةِ والنصف الآخر لراحة جسدِك. ومن قبل أن تنام اسهر ساعتين مصلياً ومزمراً، وإذا اقتنيتَ طولَ الروح فاصنع قانونك بحرصٍ واجتهاد، وإن أبصرتَ جسدَك قد كسل فقُل له: «أتريد أن تستريح في هذا الزمان اليسير وتذهب إلى الظلمةِ الخارجية، أليس من الأفضل لك أن تتعب زماناً يسيراً لتتنيَّح مع القديسين إلى الأبد». وبهذا الكلام يذهب الكسلُ وتأتيك المعونةُ (Isaiah, logos 4, 43-47).
241 – [وقال أيضاً: «إن الأسدَ شجاعٌ مهاب، ولكنه من أجلِ شهوتهِ ورغبتهِ يقعُ في الفخِّ، فتبطل قوَّتُه ويصير هزءاً للناس، كذلك الراهب إذا فقد قانونَه وتَبِعَ شهوتَه أهلك وقارَه وصار هُزءًا لكل أحدٍ»] (س5: 108ظ) (Abc. John Colobos 28).
586 – [فقلتُ له (لأنبا بفنوتيوس): «لقد ربحتُ منك كثيراً يا أبي وأريدُ أن أسكنَ معك بقية حياتي». فقال لي: «أحيٌّ أبوك بعد»؟ قلتُ: «نعم». فقال لي: «هذا عدم أدب، لأن مَن كان لا أب له فإني أقبله، أما أنت فلا، لئلا تصبح وقد أفسدتَ بنوَّتك، وأكون أنا قد بلبلتُ قانونَ الرهبنةِ، فآباؤنا كانوا يحفظون ضميرَ بعضِهم بعضاً، وبغير طاعةٍ لم ينجح أحدٌ»] (س5: 128ج).
608 – [سُئل القديس باسيليوس: «كيف يكون حالُ من صَعُبَ عليه إتمامُ قانونِ التوبةِ»؟ فأجاب وقال: «حالُ ذاك يجب أن يكونَ كحالِ ابنٍ مريضٍ وفي شدةِ الموتِ بالنسبةِ لأبيه الخبير بصناعةِ الطبِّ والذي يرغب في مداواته، فلمعرفتِه بصعوبةِ وصفِ الأدويةِ والتعبِ الكثير في صناعتها، وبخبرةِ أبيه في الطبِ، ولأن قلبَه يطيبُ بمحبةِ أبيه له، ولرغبتهِ كذلك في الشفاء، فكلُّ هذه العوامل تجعله يرسخ لمداواته، فيمكِّنه من نفسِه ليتداوى ويحيا، لذلك من يَصْعُب عليه قانون التوبةِ، فليترك الأمرَ بين يدي معلمهِ»] (س5: 132ظ).
662 – [قال أخٌ لشيخٍ: «إن أصابني ثِقَلُ النومِ أو فاتني وقتُ صلاةٍ ثم انتبهتُ ولم تنبسط نفسي للصلاة حزناً، فماذا أعمل»؟ فقال له: «ولو نمتَ إلى الصباح فقم وأغلق بابك واعمل قانونك، فالنبي داود يقول مخاطباً الله: لك النهار ولك الليل، وإلهنا لكثرةِ جودِه ورحمتِه في أي وقتٍ دُعيَ أجاب»] (س5: 139ج) (An. 230).
692 – [قيل عن أخٍ كان ساكناً في ديرٍ إنه من شدة القتال كان يسقط في الزنى مراراً كثيرةً. فمكث يُكره نفسَه ويصبر كيلا يترك إسكيم الرهبنة، وكان يصنع قانونَه وسواعِيَه بحرصٍ، ويقول في صلاتهِ: «يا ربُّ أنت ترى شدة حالي وشدة حزني، فانتشلني يا ربُّ إن شئتُ أنا أم لم أشأ، لأني مثل الطين، أشتاقُ وأحبُّ الخطيةَ، ولكن أنت الإله الجبار اكفُفْني عن هذا النجَس، لأنك إن كنتَ إنما ترحم القديسين فقط فليس هذا بعجيبٍ، وإن كنتَ إنما تخلِّص الأطهار فما الحاجة، لأن أولئك مستحقون، ولكن فيَّ أنا غير المستحق يا سيدي أرِ عجب رحمتك لأني إليك أسلمتُ نفسي». وهذا ما كان يقوله كلَّ يومٍ، أخطأ أو لم يخطئ، فلما كان ذات يوم وهو دائمٌ في هذه الصلاة، أن ضجرَ الشيطانُ من حُسن رجائهِ ووقاحتهِ المحمودة، فظهر له وجهاً لوجه وهو يرتل مزاميره، وقال له: «أما تخزى أن تقف بين يدي الله بالجملةِ وتسمي اسمَه بفمِك النجس»؟ فقال له الأخ: «ألستَ أنت تضربُ مرزبّةً وأنا أضربُ مرزبةً؟ أنت توقعني في الخطيةِ، وأنا أطلب من الله الرحوم أن يتحنن عليَّ، فأنا أضاربك على هذا الصراع حتى يدركني الموتُ، ولا أقطع رجائي من إلهي، ولا أكف من الاستعداد لك، وستنظر من يغلب: أنت أو رحمة الله». فلما سمع الشيطانُ كلامَه قال: «من الآن لا أعود إلى قتالك، لئلا أسبب لك أكاليل في رجائك بإلهك». وتنحى الشيطان عنه من ذلك اليوم، ورجع الأخُ إلى نفسِه وأخذ ينوح ويبكي على خطاياه السالفة، فإذا كان الفكرُ يقول له: «نِعمَّا لأنك تبكي». فكان يجيب فكرَه بذِكرِ خطاياه. وإذا قال الفكرُ له: «أين تذهب لأنك فعلتَ خطايا كثيرة»، يقول: «الربُّ يفرحُ بحياةِ الميِّت ووجود الضال»] (س5: 143ظ).
([1]) Grundmann, Walter, στέφανος,Theological Dictionary of the New Testament, Vol. VII, p. 629.
([2]) L. E. Toombs, Diadem, in The Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. I, p. 839.