تبتهج روحي بالله مخلصي
تبتهج روحي بالله مخلصي
عندما استقبلت أليصابات العذراءَ مريم في بيتها، انطلق لسانُ العذراء بالتسبيح للربِّ قائلة: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي» (لوقا 1: 46-47).
جميعنا يسمع عن زيت الميرون الذي يُدهن به المعمَّد حديثاً، كما نسمع عن زيت الغاليلاون الذي يُدهن به قبل زيت الميرون. وكلمة الغاليلاون كلمة يونانية تعني البهجة، أي أن هذا الزيت هو زيت البهجة. لأن الكنيسة هنا تُعبر عن فرحتها بميلاد طفل أو طفلة جديدة للرب يسوع. والفعل اليوناني من كلمة غاليلاون هو الذي ورد على لسان العذراء مريم عند قولها: تبتهج.
وهذا الفعل: تبتهج، يُعبر عن الفرح الشديد، أو الفرح المفرط. هو ليس فرحاً عادياً لنجاح في الامتحان أو للحصول على شيء مادي، بل هو فرح له مفهوم ديني بالدرجة الأولى، فهو فرح ينبع من داخل قلب الإنسان، ليعبر عن الفرح بالرب أو الفرح أمام الرب. أي الفرح بالوجود في حضرة الرب خاصة بالتواجد في بيته. لذلك تسميه القديسة مريم فرحاً روحياً أو ابتهاجاً روحياً، تبتهج روحي.
وقد ورد الفعل يبتهج والاسم منه بهذا المعنى في الترجمة اليونانية للعهد القديم. فنرى داود النبي بعد خطيئته يشتاق للعودة للرب والتمتع بخلاصه: «ردَّ لي بهجة خلاصك» (مزمور 50: 14). كما يطالب كل إنسان مبتهج بالحق أن يعظِّمَ الربَّ، كما فعلت القديسة العذراء عندما ربطت البهجة بتعظيم الرب: «لِيَهْتِفْ وَيَفْرَحِ الْمُبْتَغُونَ حَقِّي، وَلْيَقُولُوا دَائِماً: لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ» (مزمور 34: 27).
كما أعلنت أليصابات ابتهاج يوحنا المعمدان بالرب وهو ما زال في بطنها، عندما أحس بحضور الرب الإله، وإن كان ما زال أيضاً في بطن العذراء: «فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ، ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي» (لوقا 1: 44).
لقد رأى القديس يوحنا الرائي فرحة الكنيسة كلها، مصحوباً بهتاف السمائيين، ابتهاجاً بالخلاص الأبدي، الذي سيكمل لنا في الحياة الأبدية، ومع بهجة الخلاص، أو التهليل بالخلاص، يعظِّم الجميعُ الربَّ ممجدين اسمه: «وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ» (رؤيا 19: 6-7).
طوباك أيتها العذراء القديسة مريم، يا من امتلأت بالفرح والبهجة عندما حل الربُّ في أحشائك، فانطلق لسانك بتعظيم الربِّ، ويا لسعادتنا نحن أيضاً، عندما نحس بهذا الشعور عينه، عندما نتناول جسد الرب ودمه الأقدسين، فنحس بحضور الرب في داخلنا، بل ونحس باتحادنا به في هذا السر المقدس، فنرتل مع داود النبي أثناء التناول قائلين: سبحوا الله في جميع قديسيه… كلُّ نسمة فلتسبح اسم الرب إلهنا (مزمور 150).