سر قيامة المسيح
سر قيامة المسيح
قرأنا معًا بدء تفسير القديس كيرلس الكبير على آية إنجيل يوحنا (6: 51)، وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»، ونستكمل الآن تفسيره لهذه الآية:
[لكن قد يقول قائلٌ، مثبتاً عين فهمه على قيامة الذين رقدوا: أن أولئك الذين لم يقبلوا الإيمان بالمسيح، ولم يصيروا شركاءه، لن يقوموا مرة أخرى في زمن القيامة. ماذا؟ ألن يعود الى الحياة ثانية، كل من مات؟].
هنا يتساءل القديس كيرلس: ربما يقول شخصٌ ما: هل كل الموتى سيقومون في القيامة الثانية عند مجيء رب المجد ثانية من السماء، أم سيقوم المؤمنون بالمسيح فقط؟ أي هل خليقة الله التي خلقها على صورته ومثاله سوف تقوم ثانية بعد أن تفارق هذه الحياة المؤقته، أم مآلُها إلى زوال؟ خاصة الذين لم يؤمنوا به ولم يكن لهم شركة معه. ويجيب القديس كيرلس مستشهدًا بسفر إشعياء النبي حسب الترجمة السبعينية:
[لكن نقول عن هذه الأشياء، أجل، كل جسدٍ سوف يحيا ثانية، لأن كلمة النبوءة سبقت وأخبرت أن «الموتى سيقومون» (إش 26 : 19 سبع). لأننا نعتبر أن سرَّ قيامة المسيح يشمل كل الطبيعة البشرية، ونؤمن أن فيه أولاً (أي في المسيح) قد تحررت كلُّ طبيعتنا البشرية من الفساد. لأن الجميع سيقومون، على مثال ذاك الذي أُقيم لأجلنا، الذي كان يملك الجميع فيه، عندما صار إنسانًا].
من تفسير القديس كيرلس يتضح أن القيامة الثانية، أي القيامة للحياة الأبدية، لم تكن تحدث لولا قيامة الرب يسوع من بين الأموات، لأن الطبيعة البشرية عندما اتحدت به نالت فيه أولاً الحرية من الفساد. وهذا ما سبق وقاله في بداية تفسيره لهذه الآية: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ» (عب 2: 14-15). وهكذا شمل سر قيامة المسيح كل الطبيعة البشرية. ولم يكن ممكنًا أن نقوم لولا أننا كنا فيه عند تجسده وعند قيامته، أو كما يقول القديس كيرلس: «لأن الجميع سيقومون على مثال ذاك الذي أقيم لأجلنا، الذي كان يملك الجميع فيه». وهذا واضح من رسالة القديس بولس، والتي قرأناها الآن: «هَكَذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ» (1كو 15: 42). فلولا أننا نلنا عدم الفساد بسبب أننا كنا في المسيح، ما كان ممكناً أن نقوم للحياة. ثم يقول القديس كيرلس:
[وكما أنه في الإنسان الأول قد سقطنا في الموت، هكذا في البكر مرة أخرى، الذي صار (بكرًا) لأجلنا، سوف يقوم الجميع من الموت، لأنه كما هو مكتوب: «فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» (يو5:29)، وإني أسلِّم بأن ما هو أكثر مرارة من الموت هو القيامة للعقاب، والقيامة مرة أخرى لنوال الخزي وحده].
هنا يشرح القديس كيرلس أن آدم الأول كان بكر البشرية العتيقة، أما الرب يسوع فقد صار بكرًا لأجلنا:
لقد دُعي بكرًا في ميلاده: «فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ» (لو 2: 7)؛
كما دُعي بكرًا بين إخوته: «لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رو 8: 29)؛
ومقابل آدم بكر الخليقة العتيقة، دُعي المسيح بكر الخليقة الجديدة: «اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ» (كو 1: 15)؛
والبكر من الأموات: «وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ» (كو 1: 18)؛
وهو نفس اللقب الذي استمر معه حتى في الأبدية، حسب ما جاء في سفر الرؤيا: «وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» (رؤ 1: 5).
بعد ذلك يوضح القديس كيرلس معنى القيامة للحياة، فيقول:
[إذن بمفهوم أدق علينا أن نفهم الحياة كما هي في حقيقتها بأنها: «الحياة في المسيح»، في قداسة وغبطة وفرح لا يزول. لأن هذه هي الحياة حقاً التي يعرفها أيضاً يوحنا الحكيم، قائلاً «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً، بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ» (يو3 : 36). لأنه هوذا يتحدث، ويا للعجب، ويقول إن الذي لا يؤمن لن يرى حياة، رغم أن كل مخلوق سيعود إلى الحياة مرة أخرى، وسيقوم ثانية. لهذا من الواضح، أن المخلص لسبب معقول، قد سمى تلك الحياة المعدة للقديسين بأنها هي الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها، بقدومنا الى التناول من الجسد الواهب الحياة، الأمر الذي لن يرتاب فيه كل عاقل].
هذه هي الحياة كما أوضحها الكتاب المقدس، وكما شرحها القديس كيرلس الكبير. الحياة هي «في المسيح»، وخارج المسيح ليس حياة. لأنه «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ» حسب قول القديس يوحنا في إنجيله (يو 1: 4)؛ وأيضًا في رسالته الأولى: «وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ» (1يو 5: 11-12). وكيف تنتقل لنا الحياة التي في المسيح، لقد أوضحها القديس كيرلس بكل بساطة: «إنها الحياة، أعني الحياة التي في مجد وقداسة، التي علينا أن نسعى وراءها. ولكن كيف؟ بقدومنا إلى التناول من الجسد الواهب الحياة». أي بالشركة أو التناول من جسد المسيح المبذول من أجلنا وشرب دمه المسفوك من أجلنا. أليس هذا ما نقوله في كل قداس: يُعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. أو كما كررناها كثيرًا في قسمة الصوم المقدس: «هَذَا هَوُ خُبْزُ الحَياةِ الذي نَزَلَ مِنَ السَماءِ، لَيْسَ كَمَا أَكَلَ آَبَاؤُكُمْ المَنَّ فِي البَرَّيَةِ وَمَاتُوا؛ مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَحْيَا إلى الأَبَدِ، وأنا أُقِيمُهُ في اليَوْمِ الأَخِيْرِ». خرستوس آنستي وكل عام وجميعكم متمتعين بأفراح القيامة، والمجد لله دائمًا.