كنتُ جوعاناً فأطعمتموني
مؤتمر السلام بأسيزى
انتدب قداسة البابا تواضروس الثاني نيافة أنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار والأستاذ جرجس صالح منسق العلاقة بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكنائس الشرق الأوسط، لحضور اللقاء الذى نظمته مؤسسة سانت ايجيديو حول موضوع “هل السلام ممكن” وذلك خلال المدة ١٨-٢٠ سبتمبر بأسيزى بإيطاليا، فى ذكرى مرور ٣٠ عاماً على اللقاء الذى أقامه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عام ١٩٨٦لقيادات الأديان بالعالم.
وقد ألقى الأستاذ جرجس صالح كلمة حول موضوع: “المسيحيون والمسلمون والعيش المشترك”. كما ألقى نيافة أنبا إبيفانيوس كلمة حول موضوع ” الطعام والماء للجميع” بعنوان: كنت جوعاناً فأطعمتموني.
وقد حضر حفل الافتتاح السادة رئيس جمهورية إيطاليا ورئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، ورئيس برلمان جنوب أفريقيا ودوق لكسمبورج، ورئيس جمهورية السودان الأسبق السيد عبد الرحمن الذهب. كما شرف حفل الافتتاح قداسة البطريرك المسكوني برثلماوس والكثير من كرادلة وأساقفة الكنائس المختلفة.
وقد حضر الاحتفال النهائي قداسة البابا فرنسيس الأول بابا الفاتيكان وقداسة البطريرك المسكوني برثلماوس وقداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الأرثوذكس وغبطة رئيس أساقفة الكنيسة الأنجليكانية وأمين عام مجلس الكنائس القس الدكتور اولاف تافيت، وكذلك فضيلة الشيخ عباس شومان وكيل الأزهر، وقادة وممثلو الأديان في العالم.
وقد ألقى قداسة البابا فرنسيس كلمة فى الصلاة الختامية وأيضًا قداسة البطريرك برثلماوس وغبطة رئيس أساقفة الكنيسة الأنجليكانية، كما شارك فى الصلاة قداسة البطريرك أفرام الثاني.
وكان قداسة البابا فرنسيس قد حضر مبكراً فى اليوم الختامى وصافح كل المشاركين، هذا وقد أبلغ نيافة أنبا إبيفانيوس لقداسة البابا تحية ومحبة وسلام قداسة البابا تواضروس الثاني، وقد رد قداسة البابا فرنسيس وكلف نيافته بإبلاغ قداسة البابا تواضروس محبته وتحياته، قائلاً إنه يحب قداسته ويعتز به. وقد تكرر ذلك مع قداسة البطريرك المسكونى برثلماوس الذى حمل نيافته محبته لقداسة البابا تواضروس.
هذا وقد تناول قداسة البابا فرنسيس الغذاء مع رؤساء الكنائس الحاضرين وأيضًا المشاركين في المؤتمر وسائر قيادات الأديان الآخري وكان لقاء مفرحاً.
نص كلمة نيافة أنبا إبيفانيوس:
كنتُ جوعاناً فأطعمتموني
اعتدنا منذ نعومة أظافرنا، أن نسمع هذه الكلمات، سواء في الكنيسة أو في منازلنا:
«ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ» (مت 25: 34 – 36).
نتعلم من هذه الآيات درسين على الأقل:
الأول أن إطعام الجائع وإعطاء ماءً للعطشان وزيارة المريض والمحبوس هي وصايا الرب يسوع نفسه.
الدرس الثاني أنها ليست مجرد وصايا، لكن خلاصنا الأبدي معلقٌ عليها، وأن إهمالها قد يتسبب في هلاكنا الأبدي: «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ. لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي» (مت 25: 41 – 42).
هنا الكتاب المقدس يوضح أن إطعام الرب يسوع معناه إطعام الفقير. بمعنى تقديم الخدمة لكل محتاج، وإظهار الرحمة لأي خليقة متواضعة تحتاج للخدمة. أو بحسب كلمات الرب يسوع نفسه: «بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا» (مت 25: 45)؛ لأن الرب الإله «ينظر إلى المتواضعات»، كما نقول في القداس القبطي للقديس باسيليوس (مز 112 (113): 6 سبعينية)؛ وأيضًا فإن «اللهَ يُعَزِّي الْمُتَّضِعِينَ»، كما يقول القديس بولس (2كو 7: 6).
نقرأ في سيرة آباء البرية هذه القصة:
[مرةً مضى أنبا سرابيون إلى الإسكندرية فوجد هناك إنساناً مسكيناً عرياناً في السوق، فوقف يحدِّث نفسَه قائلاً: «كيف وأنا الذي يُقال عني إني راهبٌ صبور عمّال، أكون لابساً ثوباً، وهذا المسكين عريان، حقًّا إن هذا هو المسيح والبردُ يؤلمه». وإنه وثب بقلبٍ شجاعٍ وتعرى من الثوبِ الذي كان يلبسه وأعطاه لذلك المسكين، ثم جلس عرياناً والإنجيل في يده. واتفق أن كان البرخس أي المحتسب مجتازاً. فلما أبصره عرياناً قال له: «يا أنبا سرابيون من عرّاك»؟ فأشار إلى الإنجيلِ وقال: «هذا هو الذي عرَّاني». فبعد أن كَسَوْهُ قام من هناك، فوجد إنساناً عليه دَيْن وهو مُعتقَل من صاحبِ الدين. وحيث لم يكن لديه شيءٌ يوفيه عنه، باعَ الإنجيلَ ودفع ثمنَه للدائنِ. ولما كان ماشياً قابله في الطريقِ إنسانٌ يستعطي، فأعطاه الثوبَ وجاء عرياناً. فدخل قلايته، فلما أبصره تلميذُه هكذا قال له: «يا معلم أين الثوب الذي كنتَ تلبسه»؟ أجابه قائلاً: «لقد قدمتُه يا ولدي قدامنا حيث نحتاجه». فقال له أيضاً: «وأين إنجيلُك يا أبتاه الذي كنا نتعزى به»؟ قال له: «يا ولدي لقد كان يقول لي كلَّ يومٍ: بِعْ كلَّ ما لَكَ وأعطهِ للمساكين» (بستان الرهبان قول 254)].
أتذكر أنه بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 في مصر، أن كثيراً من المساجين هربوا من السجون، وقد حاول المئات منهم أن يجدوا ملجأً في دير القديس أنبا مقار، لأن بالقرب من الدير هناك الكثير من السجون. فلما تسلقوا أسوار الدير دون أن يعرفوا ما بداخل هذه الأسوار، فوجئوا أنهم داخل دير، فلما رأونا خافوا أن نسلمهم للسلطات، ولما عرفوا أن هذا دير القديس أنبا مقار سألنا أحدهم: هل هذا هو دير الأب يوحنا المقاري، والأب يوحنا هو أحد آباء الدير الذي كان مسئولاً عن المضيفة في ذلك الوقت. فلما عرفوا ذلك هدأوا وفارقهم الخوف، ثم قالوا: لقد اعتاد الأب يوحنا أن يزورنا في السجن كل عام ويحضر لكل واحد منا بطيخة في شهر أغسطس، أكثر شهور السنة حرارة في مصر. ثم أعطيناهم ماءً وطعاماً وصرفناهم بسلام.
لقد كانت هدية ضئيلة من الدير على يد الأب يوحنا لمجموعة من البشر تُعتبر منبوذة من المجتمع، لكنها كانت بمثابة عطية للرب يسوع الذي أمرنا أن نعطي المحتاج.
هذا التصرف البسيط الذي يعبر عن الرحمة له قيمة كبيرة في عيني الله. وبدونه تصبح حياتنا الروحية مجرد مقولات مجردة: «إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا، وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟». (يع 2: 15 – 16)
هذه الأعمال البسيطة تجعل محبة الله كاملة فينا (1بو 4: 12)، وبدونها لا يمكن أن تثبت فينا محبة الله: «وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟» (1يو 3: 17).
قد يقول قائل: يجب أن نساعد المساكين الذين ينتمون إلينا؛ لكننا من مثل السامري الصالح (لو 10: 33)، نتعلم من الرب يسوع أنه يجب أن نساعد أي إنسان حتى لو كان عدواً لنا.
سأنهي كلمتي بقصة من آباء البرية: [كان لراهبٍ ثوبٌ جيدٌ، فتصدَّقَ به على مسكينٍ، وبعد يومٍ مرَّ الراهبُ بالمدينةِ، فأبصرَ ثوبَه على زانيةٍ، فحزِنَ جدًّا، فتراءى له ملاكُ الربِّ وقال له: «لا تحزن لأجلِ أنَّ ثوبَك لَبستْهُ زانيةٌ، لأنك ساعةَ دَفعتَهُ لذلك المسكينِ لبسه المسيحُ، وإن كان ذاك قد أعطاه لزانيةٍ، فهو يحملُ إثمَه على نفسِه». (بستان الرهبان قول 887)].
لذلك قال لنا الرب: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ» (مت 25: 40).