الربُّ عن يمينك

ذكرنا في المقال السابق أنه مع بداية قراءة الإنجيل في الكنيسة، وفي حضور رئيس الكهنة، ينادي الشماس قائلاً: «فليرفعوه في كنيسة شعبه وليباركوه على منابر الشيوخ، لأنه جعل أبوَّة مثل الخراف». وهي كلمات مشتقة من سفر المزامير، مزمور 106 حسب الترجمة القبطية، (107 عبري). ثم يكمل القارئ اللحن قائلاً: «أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أنَّكَ أَنْتَ الكَاهِنُ إِلَى الأَبَدِ عَلَى طَقْسِ مَلْكِيصَادقَ. الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ». وهذه الآية مقتبسة من المزمور 109 حسب الترجمة القبطية، (110 عبري) وهو المزمور المسياني الشهير، الذي اقتبس منه الرب يسوع في حواره مع الفريسيين، مستشهداً بافتتاحية المزمور: «قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِري حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مت 22: 41-46).

ونلاحظ في اللحن القبطي، أن القارئ يضيف بعد عبارة «الرب عن يمينك»، كلمات يخاطب بها رئيس الكهنة، قائلاً: يا أبانا القديس البابا البطريرك، الربُّ يحفظ حياتك. أما عبارة «الرب عن يمينك» فهي تخص الرب يسوع نفسه حسب نص المزمور.

فالمزمور يبدأ هكذا على لسان داود النبي: قال الربُّ لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك؛ إشارة إلى الربِّ يسوع في حال تجسده، وقيامته من بين الأموات. أما أعداؤه، فبحسب رأي القديس أثناسيوس الرسولي في تعليقه على هذا المزمور: فأهمهم الموت (1كو 15: 29). ثم يعود المزمور ويخاطبه بعبارة: الرب عن يمينك، دليل على الملازمة والمعية: «وَﭐلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ» (يو 8: 29).

وهناك معنى آخر لكون الله الآب عن يمين الابن، والابن عن يمين الآب. فاليمين يرمز للقوة والرفعة، والله روح، وليس للروح يمين أو يسار، ولكنها تعبيرات تؤكد على التساوي المطلق والوحدانية في الجوهر بين الآب والابن في الثالوث الأقدس. وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي في مقالته الأولى ضد الأريوسيين (61): [حينما يجلس الابن عن يمين الآب فهو لا يجعل بذلك الآب عن اليسار! ولكن المعنى أن كل الأمور اليمينية والكريمة جدًا التي في الآب تكون أيضًا في الابن، إذ يقول: «كل ما للآب هو لي» (يو16: 15). ولذلك فالابن حينما يجلس عن اليمين فهو يرى الآب نفسه أيضًا عن اليمين، إذ يقول بعد أن صار إنسانًا: «سبقتُ فرأيتُ الرب أمامي في كل حين، إنه عن يميني لكي لا أتزعزع» (مز16: 8 بحسب السبعينية). ويتضح من ذلك أنه كما أن الابن في الآب كذلك الآب أيضًا في الابن، لأنه حينما يكون الآب عن اليمين يكون الابن أيضًا عن اليمين، وحينما يجلس الابن عن اليمين يكون الآب في الابن!]

 

اضغظ هنا للتحميل