صلوات الجمعة الكبيرة

صلوات الجمعة الكبيرة

  1. دم المسيح وجهادنا الروحى

يا ربنا يسوع المسيح، يا مَنْ أعطيتَ ذاتك، ووراء عطيتك كان ما كان من آلام لَم تدركها البشرية بعد، ولكن أعلنتها كثيراً جداً لأولادك المُخلصين. أعلنها اليوم؛ يا ربِّى؛ بالسرّ لأولاد سرِّك، ليعلموا كَم كلَّفت الخطية الله وابن الله. نعم، كَم كلَّفتهما من حبٍّ مسفوك دمه على الصليب، لكى ما نستطيع مرةً أخرى أن نأخذ حريتنا بالروح وأن نأخذ حياتنا التِى كُبِّلَت بالخطية والموت سنين هذا عددها.

أعطنا يا ابن الله اِنتباهة روحية فى القلب بقيمة عمل الصليب بأوجهه الثلاثة، لكى لا ننسَى أبداً أننا كُفِّر عنّا تكفيراً أبدياً، وفُدينا فداءً أبدياً، وصولِحنا أمامك أيها الآب إلى الأبد فى شخص يسوع المسيح، ولا يَحتاج الأمر بعد إلاّ إيمان بِجراءة وقدوم إليك فى شخص يسوع المسيح، لنأخذ كل نصيب لنا فى المسيح وكل ميراث لنا فيه.

أعطِنا، أيها الآب السماوى، أن ندرك اليوم، اليوم عطاياك كلها التِى وهبتها لنا فى شخص ابنك يسوع المسيح، عطايا هذا طولُها وهذا عرضها على الأرض وفى السماء، نعمة فوق نعمة وحياة أبدية، ملكوت مفتوح منذ الآن، يَحيا فينا ونَحيا فيه.

أعطنا، يا ابن الله، أن لا يغلبنا بعد الآن شكوى لِعدو أو شكوى لإنسان، أو يزعزع إيمانَنا صوتٌ من الداخل أو صوتٌ من الخارج، بل إذ نضع أيدينا على الدم المسفوك على صليبك فى هذا اليوم، يكون لنا إيمان نسير به حتَّى عتبة الموت.

أمين، اسْمعنا أيها الآب والابن والروح القدس، ليتبارك اسْمك منذ الآن وإلى أبد الآبدين، آمين.

  1. إلَهى إلَهى لِماذا تركتنِى؟

نعم، يا رب. نعم، يا يسوعَنا المصلوب.

نعم يا يسوعَ ساعات الظلام من السادسة إلى التاسعة.

يا مَنْ جُزتَ هذا كلَّه عنِّى، نعم يا رب، اذكرنِى، اذكرنِى أنتَ الآن وأنتَ فى ملكوتك، واذكر شعبك لكى لا يستثقلوا الظلمة إذا غشيتهم ثلاث ساعات، ولكى لا يدخلوا اليأس أبداً طالَما أنتَ هتكتَ ستار الظلمة بقيامتك، وقمتَ أيها النور الحقيقى، وأدخلتَ البشرية فيك فى نور أبدى.

أدخِلْنا اليوم يا ابن الله فى هذا الصليب، صليب الحبيب، لندخل معك القضاء ونَخرج مغفورى الخطايا والزلاّت.

أمين، بَرِّئنا يا ابن الله، واقبلنا هذا اليوم لنكون شركاء حبك العظيم الذى دفعك إلى هذا الصليب.

أمين، ليتمجَّد اسْمُك فى كنيستك من الآن وإلى الأبد، آمين.

  1. قوة الصليب فى خلاصنا

اليوم يا رب، اليوم نفرحُ، وتفرحُ بسعادتنا. يا رب أحببتنِى لأنِّى خاطئ. سُررتَ بدموعى وبكائى ونَحيبِى يوم جلجثتك، ورضيتَ أن يُسفَك دمك عنِّى فافتديتنِى. لَم يَعُد لِى ولا لإخوتى بعد اليوم خزياً لوجهى، لأنك احتملتَ كل الخزى عنِّى. صليبُك يا رب صليبِى؛ مَجدى؛ خلاصى؛ فدائى؛ إكليلى. سأحْمله يا رب وأتبعك لأنه حيث تَمضى أنتَ أو حيث يَمضى بِى صليبك ستكون هناك سعادتى.

هناك يا رب على الجلجثة رأيتَنِى، لَمَحْتَ وجهى الحزين، كشفتَ خبايا نفسى ورأيتَ دموعى وذُلِّى، فقلتَ فى نفسك: أفديه، أفديه، حتَّى ولو تعاظم الثمن، فقبلتَ الموت ودفعتَ الثمن. كان وجهى الحزين وسط ملايين الوجوه وكأنه الوجه الوحيد، وعيناك كانت على وجهى كما كانت على كل وجه مثل وجهى، وكلٌ مِنّا كان يشعر وكأنه الوجه الوحيد. عيناك لا تزال يا رب ترانِى، ولا يزال حبك على الجلجثة كما هو لَم تنقصه جهالاتى، كأنِّى أنا مَحبوبك الوحيد. آلامك يا رب هى هى لا تزال ثَمن سعادتى، دفعتَ ثَمنها بسخاء وكل الخزى والعار الذى احتملته كان ثَمَناً لسرورى.

اليوم يا رب، يوم الجمعة الحزينة، لا لا هذا يوم عرسى الذى فيه زُفَّتْ إليك نفسى، هو يوم إكليل كل الخطاة، خطاة الأرض طراً، كل المفقودين، كل المنبوذين، كل الذين ضاعوا خلف السياجات، اليوم يا ربِّى أنتَ عريسهم وعريس كل الخطاة.

اقبلنا اليوم يا ربِّى فى فصحك السرِّى لخلاص أبدى تَحفظه لنا عندك إلى يوم مَجيئك. والمَجد لك فى كنيستك، آمين.

  1. الآلام الخلاصية

والآن، يا ربنا يسوع المسيح، ننظر إلَى صليبك فتسيل دموعنا، ولا نعرف كيف نضبط أنفسنا.

لقد تَحيَّرنا جداً يا ابن الله، حينما نستعفى من شركة آلامك ومذلّة موتك وانسحاق صليبك نَجد إكليل المَجد قد طار من على رؤوسنا، وانسكبت حياتنا فى الطين، ولَم تَعُد أعمالنا إلاّ حفنة تراب.

مُتحيِّرين يا رب، حينما نَحمل صليبك ونُوطِّد العزم أن نشرب كأسك ونصطبغ بالصبغة التِى اصطبغتَ بِها ونتقدَّم بِجَراءة حاملين عارك، مستهينين بالخزى، وفى ذلك ننتظر المرارة والموت، نَجد أنفسنا فى فرح وسلام ومَجد وكرامة، وتَختفى المفزعات كلها والمروّعات، ونرى المَجد عياناً.

هذا هو سِرّ صليبك العجيب. كل مَنْ خاف منه؛ كل مَنْ ارتعب وهرب، ضاع منه مَجْد الصليب وراحت وذابت من أمام عينيه الجُعالة العليا. وكل مَنْ تَماسك وتَمالك وشدَّد عزائمه وقال: أحْمل صليبِى وليكن ما يكون؛ أشهد لإلَهى وأموت؛ أقبل الآلام باسم المسيح وأشرب المرارة حتَّى الثمالة وليكن ما يكون، فإذ به يَجد نفسه على عتبة المَجد؛ ورؤية الله تشع على قلبه بأمْجاد لا نِهاية لَها وأفراح وتَهليل وخورس مَجد سَماوى يُطمئن القلب ويُهيِّئ النفس للقيامة المَجيدة.

عجباً يارب، هكذا أخفيتَ آلامك فى مَجدك، وهكذا أخفيتَ أمْجادك فى آلامك بِسِرٍّ عجيب حتَّى لا يستطيع إنسان قط أن يقبل الواحدة دون الأخرى.

لن نستطيع أن نقبل أمْجادك بلا آلام يا ابن الله، ولن نقبل آلامك بشجاعة دون أن يشع علينا مَجْدك.

هذا هو سِرّ صليبك الذى اجتليناه اليوم، فأشرق يا ابن الله فى قلوبنا، أشرق فينا بسِرّ آلامك لكى ندرك سِرّ مَجدك حتَّى لا نفزع من آلام صليبك، بل نَجرى وراءها بِحُبك، ونُعاهدك يا رب أن نَحمل كل يوم صليبك لنكون تلاميذك.

ربَّنا، أعطِ كنيستك كلها الجرأة والشجاعة فى هذه الأيام أن تدخل أسبوع آلامك؛ لا باللحن الجميل فقط؛ بل بِسِرّ آلامك التِى تنتهى بالمَجد.

أتوسَّل إليك أن تعطى كلَّ إنسان خائف شجاعةً من ظل صليبك أن لا يَخاف أن يتألَّم، لأن المَجد مُخفَى فى كل ألَم، ولن يتألَّم إنسانٌ قط دون أن يتمجَّد فيكَ وبكَ.

أعطنا اليوم يا رب سِرّ هذا الصليب، ليعيش فينا ونعيش فيه، لنُسبِّح أسبوع الآلام؛ جلجثتك؛ تشرق فى قلوبنا يا ابن الله، ونَمضى عليها بأسْمائنا كلنا أننا قبلنا أنشودة الجلجثة، لَحْنها ليكون لَحْن حياتنا، لأننا نثق تَماماً أننا حينما نوطِّد العزم أن تكون جلجثتك هى أنشودة حياتنا، أننا بذلك نضمن أن نكون شركاء مَجْدك.

أمين يا ربِّى، لتتمجَّد فى كنيستك من الآن وإلَى أبد الأبدين، آمين.

  1. صلاة:

يا ربنا يسوع المسيح ابن الله، يا مَنْ أعطيتنا هذا الأسبوع المبارك ككنيسة مُسبِّحة مُرتِّلة لاسْمك مُتذكِّرة كل آلامك وأوجاعك. أعطيتنا يا ربِّى فى هذا الأسبوع المبارك كثيراً من اليقظات القلبية، فاجعلنا يا ربِّى أمناء على حركة الروح الذى تَحرَّك فى قلبنا من جرّاء الكلمات التِى سَمعناها والأناجيل الطاهرة التِى قرأناها.

يا سيدى، عبيدك الواقفون أمامك فى نِهاية هذا الأسبوع المبارك يترجون وجهك الكريم أن تكون هذه الذكرى، ليست ذكرى عقلية، بل ذكرى تَجوز داخل قلوبنا يا ربِّى، وأن تكون آلامك مكرَّمة يا ربِّى فى قلبنا وفى أعيننا، حتَّى لا نستصغر آلامنا ولا نَحتقر أتعابنا إذ نقيسها على آلامك وعلى أتعابك، جروحنا يا رب الدامية لا نستكثرها فى هذا الدهر لأنَّها إذا قيست بِجراحك فهى لا شىء، بل أنّها تُشفَى.

فأعطنا يا رب من ذكريات هذا الأسبوع سيرة فاضلة حَميدة على مدار السنة، نستطيع أن نتذكر فيها هذه الكلمات الحيّة، نعيش بِمقتضاها يا ربِّى. لا تَجعل طقس الكنيسة تسابيح وتَهاليل وحسب، اِجعل طقس الكنيسة حياة يا ربِّى، اِجعلها غذاءً ونُمُوّاً لأنفسنا من الداخل. أعطنا انتباهة قلب حتَّى يسعى كل واحد مِنَّا إلى خلاص نفسه. نعم يا ربِّى لا نشتغل بدينونة الآخرين ولا نشتغل بأتعاب وأمراض الآخرين، بل نشتغل فى التأمل فى حياتنا وفيما يَختص بِخلاصنا حتَّى نعود كلنا إليك يا رب بقلوب تائبة تستطيع بلا مانع أن تقدِّسها وتَسكُب روحك القدوس فيها.

عبيدك الواقفون أمامك، كثيرون منهم يا ربِّى يترجون توبة صادقة، يتحسّسون مواضع رَحْمتك من قلبك يا رب، فتحنّن عليهم وأعطهم يا سيدى حسب سؤل قلبهم، توبة مقدسة حلوة جَميلة يعيشون بِها يا رب فى وسط هذا العالَم الشرير. نَحن عبيدك الرهبان، رهبان هذا الدير، فإذ قد وضعنا على أنفسنا بفرحنا ومسرتنا أن نعيش لك يارب العمر كله تائبين، فلا تَجعلنا نتوه يا ربِّى فى أطماع أو فى طموح أو فى مشاغل أو هُموم خارجة عن قانون توبتنا الفاضل، الذى تَمسَّكنا به والذى عشنا عليه منذ آبائنا.

نعم يا رب، اِجعل الرهبنة تستيقظ إلى توبتها الحقيقية، حتَّى يعيش كل راهب فى ملء مَخافة التقوى، … اِجعلهم يا ربِّى، كل رهبان الأديرة أن يكونوا مِلحاً صالِحاً تستطيع الكنيسة أن تنتفع بصلواتِهم وعبادتِهم ووحدتِهم أكثر مما تنتفع بكلماتِهم أو سعيهم على رجليهم. نعم يا ربِّى، اِجعل جوقات الرهبان الذين هم بسيرة ملائكية أن يكونوا مقبولين أمامك يا رب.

صحيح أن أسبوع الآلام أسبوع مُحبَّب إلى نفوس العلمانيين. أما نَحن يا ربِّى فأسبوع آلامنا هو عمرنا، وعمرنا هو أسبوع آلامنا. لا نكفّ يا ربِّى عن تسبيحك الليل ولا النهار، ولا نكفّ يا رب عن تذكّر آلامك التِى هى آلامنا، لأننا بقدر ما ندخل فى آلامك بقدر ما نتعزى بعزائك، فأعطنا مع شعبك يا ربِّى وحدة الفكر ووحدة القلب ووحدة العمل والرجاء حتَّى تتقوَّى كنيستك يا ربِّى على مَمَر الأيام والسنين.

نَحن صلينا من أجل الأب البطريرك والمطارنة والأساقفة، نعيد يا رب ونزيد أن ترسل إليه من السماء روحًا قياديًا؛ روحًا رئاسيًا؛ روحَ نعمة متفاضلة حتَّى يسوس كنيستك بالبِرِّ والتقوى. أَبْعِدْ عنه يا ربِّى كل مضايقات العدو وأَعْطِه أياماً سلامية، حتَّى يستطيع أن يرعى رعيتك بالبِر والصلاح والتقوى. واجعل زملاءه المطارنة والأساقفة خَيْر مُعين له يا ربِّى، ساهرين على كنيستك يا رب وعلى خلاصها وعلى شعبك وعلى رعيتك. أعطهم روح انتباهة حتَّى يسعى كل أسقف إلى أسقفيته كأمين وراعٍ على رعية مسؤول عنها أمام الله. واِجعل لَهم وحدة القلب وسلامه، تربطهم معاً يا ربِّى كأسرة مقدَّسة مباركة، لأنه بوحدة الرؤساء تتحد الرعية وبسلامتهم يدخل السلام كنيستك، وبِحبهم لبعضهم البعض يسرى الحب إلى قلبنا.

نعم، نتوسَّل إليك أن تزيد إليهم من عطيتك، تسكب عليهم من عطايا روحك القدوس.

نعم يا ربِّى، ارحَمهم وارحَمنا، وتَفقَّد كنيستك ولا تَجعلها بلا مواهب. اُسكُب على رؤوسهم مواهب نعمة متفاضلة يا رب. حتَّى تتقوَّى كنيستك وتستنير يا ربِّى بنورك. فلا تنساهم يا رب من عطية، كل صباح، لكى يُجدِّدوا قوَّة ويؤدّوا خدمةً؛ كرامةً لاسْمك القدوس.

أمين، يا ربِّى، اسْمَع واستجب من سَمائك بصلوات قديسيك، آمين.

 

اضغظ هنا للتحميل