أَحْبَبْتُكُمْ قَالَ الرَّبُّ

 

في افتتاحية سفر ملاخي، يقول الربُّ: «أَحْبَبْتُكُمْ قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَا أَحْبَبْتَنَا؟ أَلَيْسَ عِيسُو أَخاً لِيَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ، وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ» (ملاخي 1: 2-3).

أحببتكم قال الربُّ. هذا هو الدافع وراء الخلاص الذي تمَّمه الربُّ بابنه الوحيد على الصليب. وقد سبق وأوضحه منذ أن خلَّص بني إسرائيل من أرض مصر: «لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي» (هوشع 11: 1).

فإذا كان الدافع الحقيقي وراء فداء الرب لشعبه هو محبته لهذا الشعب. فلماذا يصرِّح أنه أحب يعقوب وأبغض عيسو؟

الواقع أن «أحببت يعقوب وأبغضت عيسو» لم ترد في سفر التكوين، فما المقصود منها هنا، أو ما هي الصفات التي اتسم بها كل من يعقوب وعيسو والتي من أجلها صار هذا القول؟ يقول الكتاب عن يعقوب إنه كان «إِنْسَاناً كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ». بينما يقول عن عيسو إنه «كَانَ إِنْسَاناً يَعْرِفُ الصَّيْدَ، إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ» (تكوين 25: 27).

هنا يظهر الفرق بين الأخَّين، فيعقوب يمثل البشرية في صورتها الهادئة الوادعة الكاملة المهيأة لسماع لكلمة الله. أما عيسو فيمثل البشرية في صورتها الوحشية المتمردة العاصية. يعقوب يرمز للبشرية المتَّكلة على الرب، التي ترمي البذار في الأرض وتنتظر البركة من الرب لينمي هذه البذار، وعيسو يرمز للبشرية التي تتباهى بقوتها، وتعيش على اقتناص ما لا تملكه.

لقد صرح الربُّ قائلاً: «هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ (العالم كلَّه) حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ» (يوحنا 3: 16). ومع ذلك يؤكد ويقول «لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (لوقا 5: 32). بمعنى أنه إن كانت الدعوة مقدمة للجميع، لكن من يحسُّ ببرِّه الذاتي ويشعر بعدم احتياجه للتوبة، فالدعوة ليست له. لقد أتي من أجل البشرية التي تحس بضعفها واحتياجها، التي تقبل الخلاص بكل خضوع ورضىً. لكن دعوته لم تصل لآذان البشرية المتمردة التي رفضت سماع كلمته، وأحست بعدم احتياجها له: «طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ» (رومية 10: 21).

أي أن المشكلة تكمن في الإنسان وليس الله، لأن الله أحبَّ البشر كلَّ البشر، وبذل ذاته من أجل الإنسان كلِّ إنسان. فالبشرية التي تمردت عليه، فقد أهملت خلاصاً هذا مقداره، ونطقت بعجرفة مع عيسو قائلة: «هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى الْمَوْتِ فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟» (تكوين 25: 32)، أي أنني لست في احتياج لبركات البنوة لهذا الإله. أما البشرية التي أحسَّت بضعفها، فقد قبلت الخلاص وإن كان لا تستحقه، فمدحها الله في شخص يعقوب قائلاً: «بَارَكْتُهُ! نَعَمْ وَيَكُونُ مُبَارَكاً» (تكوين 27: 33).

 

اضغظ هنا للتحميل