الحوار الكنسي في فيينا النمسا
بدعوة من مؤسسة برو أورينتى، وهي المؤسسة المسؤولة عن الحوار غير الرسمي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الشرقية القديمة، تم انعقاد مؤتمر عن الحوار بين الكنائس الشرقية اللاخلقيدونية والكنيسة الكاثوليكية في فيينا بالنمسا، وذلك في المدة من 27 فبراير وحتى 1 مارس من هذا العام. وقد مثل الكنيسة القبطية نيافة أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار والأب القس شنوده أسعد من كنيستنا القبطي في فيينا. وقد ألقت الوفود كلمات عن أهم نقاط التقارب التي تمت خلال العامين المنصرمين، ثم تلا ذلك حوار حول بعض النقاط الهامة في الحوار بين الكنيستين. وقد ألقى نيافة أنبا إبيفانيوس كلمة الكنيسة القبطية:
تقرير عن الكنيسة القبطية يرصد التغيرات والتحديات والقضايا المسكونية
منذ أن تقابلنا في المرة السابقة، أي منذ عامين، حدثت تغيرات كثيرة على الساحة القبطية، ربما تكون في معظمها تصب نحو تعزيز الوحدة بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية، وفِي نفس الوقت أثمرت هذه التغيرات بعض التحديات التي من الممكن أن تعيق أو تبطئ من الوحدة المنشودة.
فبعد الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا تواضروس الثاني عام 2013 لقداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان، وكانت أول زيارة للبابا تواضروس خارج مصر بعد أن اعتلى كرسي القديس مار مرقس، تم الاتفاق بين صاحبي القداسة على اعتبار يوم هذا اللقاء، وهو يوم العاشر من شهر مايو من كل عام، والذي يصادف أيضًا يوم اللقاء بين قداسة البابا شنوده وقداسة البابا بولس السادس، كمناسبة سنوية أطلقا عليها اسم يوم المحبة الأخوية، يكرسان فيه هذا الْيَوْمَ من أجل الصلاة المتبادلة لتعزيز الوحدة والمحبة بين الكنيستين.
ولأول مرة في العاشر من مايو ٢٠١6، تم لقاء المحبة الأخوية في المقر البابوي في دير الأنبا بيشوي بمصر، دعا فيه قداسة البابا تواضروس صاحب الغبطة البطريرك إبراهيم إسحق بطريرك الأقباط الكاثوليك بمصر والمونسنيور برونو موازارو سفير الفاتيكان بمصر مع العديد من الأساقفة من الجانبين. وقد ألقى قداسة البابا تواضروس كلمة أعرب فيها كرسالة موجهة إلى قداسة البابا فرنسيس، قال فيها: أنا سعيد لأن متانة العلاقات بيننا تتقوى عامًا بعد عام، وانفتاح القلوب والأفكار يتزايد إيجابيًّا. وهذا هو عملنا جميعًا في محبة المسيح الواحد الذي يجمعنا ويمهد طريق الوحدة والشركة الكاملة بين أعضاء جسده المقدس في كنيسته المباركة.
كما قرأ سعادة سفير الفاتيكان رسالة من قداسة البابا فرنسيس إلى قداسة البابا تواضروس، قال فيها: على الرغم من أننا لا نزال نحو اليوم الذي سنجتمع فيه كواحد على نفس مائدة القربان، فنحن قادرون الآن أن نبرز الشركة التي تجمعنا. فكأقباط وكاثوليك يمكننا أن نشهد معًا للقيم مثل القداسة وكرامة كل حياة الإنسان، وقدسية الزواج والحياة الأسرية. ثم أردف قائلاً: سوف نرى أكثر وضوحًا أن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا.
وقد تم تكريم الأب الراهب الكاثوليكي هنري بولاد كتعبير عن تقدير الكنيسة القبطية لخدماته في مجال خدمة الشباب في مصر.
وفِي مجال الحوار المسكوني عقدت في أرمينيا جلسات للحوار بين الكنيستين أعتقد أنه قد تقاربت فيها وجهات نظر المتحاورين حول سر التوبة والاعتراف في الكنيستين، وكثير منكم كان من المشاركين في هذا الحوار.
وفِي هذا العام تقابل رؤساء الكنيستين في مصر عدة مرات اتسمت جميع اللقاءات بالمحبة، وذلك في مناسبات الأعياد المسيحية، وكان الهدف المباشر من هذه اللقاءات تعزيز المحبة والتفاهم بين قادة الكنيستين، كما استحدث قداسة البابا تواضروس تقليدًا جديدًا وهو اصطحاب مجموعة كبيرة من الأطفال معه أثناء تهنئة بطريرك الكنيسة الكاثوليكية بعيد الميلاد وذلك لرفع حاجز الخوف والتنافر بين المؤمنين، وللتأكيد على المحبة المسيحية التي هي الرباط الحقيقي الذي يربطنا ببعض.
أما الحدث الأكثر أهمية في هذه الفترة هو زيارة قداسة البابا فرنسيس لمصر ولقاءه مع قداسة البابا تواضروس في 28 أبريل 2017، وقد تميز هذا اللقاء بعدة نقاط:
أولاً تقابل صاحبا القداسة في لقاء خاص أعربا فيه عن تطابق وجهتي نظرهما لأهمية السعي الدؤوب من أجل الوحدة المسيحية، التي هي مطلب الرب يسوع نفسه وصلاته من أجلها، كما أنها تعبر عن رغبة الشعب المسيحي وأمنيته أن تتحقق سريعاً.
ثانياً. توقيع بيان مشترك لأول مرة بين صاحبي القداسة، على غرار البيان المشترك الذي تم توقيعه بين قداسة البابا شنوده الثالث وقداسة البابا بولس السادس في الفاتيكان عام ١٩٧٣، وقد نص البيان على سعي الكنيستين من أجل الاعتراف المشترك بسر المعمودية في الكنيستين في حالة رغبة أحد المؤمنين في الانضمام للكنيسة الأخرى.
ثالثاً. تم في نفس الْيَوْمَ إقامة صلاة مسكونية لأول مرة في مصر، وفِي أحضان الكنيسة البطرسية، تلك الكنيسة التي تعرضت لعمل إرهابي قبل هذا الحدث بشهور قليلة، وقد استضاف قداسة البابا تواضروس في لقاء هذه الصلاة المسكونية قداسة البابا فرنسيس، وقداسة البطريرك المسكوني برثلماوس بطريرك القسطنطينية، بالإضافة إلى رؤساء الكنائس في مصر أصحاب الغبطة والنيافة بطريرك الأقباط الكاثوليك، وبطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، ومطران الكنيسة الأنجليكانية، ورئيس الطائفة الإنجيلية.
هذا عن التغيرات الإيجابية، أما عن التحديات فما يزال هناك اختلاف في وجهات النظر عند البعض حول مفهوم الاعتراف المتبادل بسر المعمودية، وما يزال الأمر يحتاج إلى بعض الوقت والكثير من الجهد لتقارب الآراء حول هذه النقطة. ولكن مما يدعو للتفاؤل أن الكثير من أساقفة الكنيسة القبطية يؤكدون على أهمية عدم إعادة سر المعمودية، على الأقل لأسباب رعوية لاحتياج الخدمة الكنسية لهذا الاتفاق.