حلول نار الله في النفس
حلول نار الله فى النفس
[ ارفعوا أفكاركم إلى السماء في الليل والنهار،
واطلبوا من كل قلوبكم هذا الروح الناري، وهو يُعطى لكم؛
وانظروا لئلا تأتي على قلوبكم أفكارُ شكٍّ قائلة:
مَنْ يستطيع أن يقبل ذلك؟
لا تدعوا هذه الأفكار تتسلَّط عليكم، بل اطلبوا باستقامة وأنتم تقبلونه.
وأنا أيضاً أبوكم أطلب من أجلكم لكي تقبلوه، لأنى أعلم أنكم قد جحدتم ذواتكم لكى تستطيعوا أن تقبلوه.
لأن كل من يفلح ذاته بهذه الفلاحة فى كل جيل فإنه ينال نفس الروح،
لأن هذا الروح يسكن في ذوي القلوب المستقيمة،
وأنا أشهد لكم أنكم باستقامة قلب تطلبون الله.
فأديموا الطلبة باجتهاد من كل قلوبكم فإنه سيعطى لكم
ومتى قبلتموه فهو يكشف لكم أسرار السماء، لأنه يعلن لكم أموراً كثيرة لا أستطيع أن أكتبها على ورق.
وحينئذ لا تخافون من أي أمر مخيف، بل يسودكم فرح سماوي،
وهكذا تكونون وأنتم ما زلتم في الجسد كمَنْ انتقل إلى الملكوت!]
الرسالة الرابعة للقديس أموناس بحسب النسخة اليونانية
وهي تقابل الرسالة الثامنة لأنبا أنطونيوس في النسخة العربية
[1. إن نار اللاهوت السماوية التي يقبلها المسيحيون الآن في هذا الدهر، في داخلهم، في قلوبهم،
هذه بعينها التي تخدم في قلوبهم،
سوف تتدفق إلى خارج حينما تنحل أجسادهم،
فتجمع الأعضاء مرة أخرى، منشئة قيامة في الأعضاء التي كانت قد انحلت.
فكما أن النار التي كانت تخدم في المذبح في أورشليم صارت مدفونة في جبٍّ في زمان السبي (2مك 1: 18-33)،
وهي بعينها قد تجدَّدت وخدمت كالعادة حين عمَّ السلام وعاد المسبيون،
كذلك أيضًا الآن أجسادنا الملازمة لنا، والتي بعد انحلالها تستحيل طيناً،
ستعمل فيها النار السماوية وتجددها وتقيمها من بعد فساد.
وهكذا فإن النار الساكنة الآن في داخلنا، في قلوبنا، سوف تندفق إلى خارج منشئة قيامة لأجسادنا.
(وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ رو 8: 11).
- فإن نار الأتون أيام نبوخذنصر لم تكن إلهية بل مخلوقة،
أما الفتية الثلاثة الذين من أجل برِّهم طُرحوا في تلك النار المنظورة،
فقد كانوا حائزين في قلوبهم على النار الإلهية السماوية والتي لم تبرح خادمةً داخل أفكارهم وفاعلة فيهم،
حتى إنها هي بعينها ظهرت خارجهم ووقفت في وسطهم حائلاً دون أن تحرق النار المنظورة الأبرار أو تضرُّهم شيئاً.
بالمثل كذلك شعب إسرائيل، فعندما عقدوا العزم بعقلهم وفكرهم أن ينأوْا عن الله الحي، وينعطفوا نحو عبادة الأوثان،
اضطُر هارون أن يقول لهم أن يُحضروا آنيتهم الذهبية وحليِّهم،
والتي لما طرحوها بعد ذلك في النار، استحالت صنماً
وكأنما النار قد حاكت نيَّتهم، وكان هذا أمراً يُتعجب له (خر 32: 2)،
فإنهم لما رغبوا في نيتهم الخفية وفي أفكارهم، أن يعبدوا الأوثان،
أحالت النار كذلك آنيتهم التي طرحوها فيها صنماً،
وفي النهاية عبدوا الوثن الذي ظهر لهم.
فكما أن الفتية الثلاثة الذين أضمروا البر في فكرهم قد قبلوا في نفوسهم نار الله وسجدوا للرب بالحق،
كذلك أيضًا النفوس الأمينة تقبل خفية، الآن في هذا الدهر، تلك النار الإلهية السماوية،
والتي بدورها تصوغ صورةً سماويةً على طبيعتهم البشرية.
- إذاً، فكما أن النار قد شكَّلت الآنية الذهبية وأحالتها صنماً،
هكذا أيضاً يُحاكي الربُّ نيَّات النفوس الأمينة الصالحة ويشكِّل – وَفقاً لمشيئاتها – صورة جديدة في النفس،
سوف تستعلن عند القيامة خارجاً عنها وتمجِّد أجسادها من الداخل ومن الخارج.
غير أنه كما أن أجسادها تفسد وتموت وتنحل طالما هي في هذا الدهر،
هكذا أيضاً بنفس الطريقة تفسد أفكار البعض بواسطة الشيطان، فتموت عن الحياة وتُدفن في الطين والأرض وتهلك نفوسهم.
فكما أن الإسرائيليين قد ألقوْا آنيتهم الذهبية في النار فاستحالت صنماً، هكذا الإنسان الآن أيضاً قد سلَّم أفكاره النقية الصالحة للشر، فدُفنت في حمأة الخطيئة واستحالت صنماً،
وأنَّى لأحدٍ أن يجدها ويميزها ويُخرجها من ناره (التي ألقاها فيها).
وهنا تحتاج النفس إلى مصباح إلهي – مصباح الروح القدس الذي يُرتب البيت المظلم،
وإلى شمس البر الساطعة التي تضيء القلب وتشرق فيه،
وإلى سلاح ذاك الغالب في الحرب (أي المسيح رؤ 5: 5).
- فإن الأرملة التي أضاعت درهماً، أوقدت أولاً المصباح ثم رتبت بيتها،
وهكذا إذ رُتب البيت وأُوقد المصباح، عُثر على الدرهم مدفوناً في الزبل والوسخ والتراب،
هكذا أيضاً الآن لا تقدر النفس من ذاتها أن تعثر على أفكارها الخاصة وتميزها،
ولكن متى أُوقد المصباح الإلهي فإنه يُنير البيت المظلم،
وحينذاك تبصر النفسُ أفكارَها كيف أنها مدفونة في وسخ الخطيئة وطينها،
فما أن تشرق الشمس حتى تبصر النفس آنذاك هلاكها وتشرع تدعو إليها أفكارها التي كانت قد امتزجت بالزبل والوسخ، إذ قد أضاعت النفس صورتها بمخالفتها للوصية.