عَطِيَّةُ اللَّهِ

عَطِيَّةُ اللَّهِ

في طريق الربِّ يسوع من اليهودية إلى الجليل، اجتاز بمنطقة السامرة، وهناك تقابل مع المرأة السامرية عند بئر ماءٍ. وطلب منها ماءً ليشرب، لأنَّ تلاميذه لم يكونوا معه. فبادرته المرأة قائلة: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟ لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ» (يوحنا 4: 9).

 أجابها الربُّ يسوع: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللَّهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً» (يوحنا 4: 10).

لقد وعدنا الربُّ يسوع أنه مهما طلبنا من الآب فإنه يعطينا إياه، وكل ما نطلبه باسم الربِّ يسوع، يتحقق لنا. إنه على استعداد أن يعطينا ملكوت الله وبرَّه، إن طلبنا ذلك منه، ويهبنا معه كل الخيرات التي على الأرض: «اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (متى 6: 33).

لكنَّ الله الذي صار أباً لنا، بسبب ابنه يسوع المسيح الذي أخذ جسدنا، مستعدٌ في سخائه لا أن يعطي عطايا مادية فقط، بل أن يعطي ذاته لأولاده: «اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (رومية 8: 32)؛ «فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (لوقا 11: 13).

لقد أعطانا جسده المقدس ودمه الكريم لنحيا بهما حياة أبدية، ووهبنا روحه القدوس ليحل فينا ويثبت داخلنا، بل وعلاوة على ذلك، فقد وعدنا أننا إن حفظنا وصاياه فسوف يأتي مع أبيه الصالح ليقيم في قلب الإنسان: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يوحنا 14: 23).

يقول القديس كيرلس الكبير في كتابه جلافير على سفر التكوين، المقالة الأولى:

[من الباطل أن نظن أن آدم الذي كان مجرد إنسان وليد التراب، استطاع أن يدفع إلى كل جنسنا قوة اللعنة التي أصابته، وكأنها صارت ميراثاً يُسلَّم بحسب الطبيعة، بينما لا يستطيع عمانوئيل الذي هو من فوق، من السماء، وهو إله بطبعهِ، وقد أخذ شكلنا وصار لنا آدماً ثانياً – لا يستطيع أن يمنح بغنًى شركةً في حياته الخاصة للذين اختاروا أن ينالوا القُربى معه بالإيمان! فإننا قد صرنا جسداً واحداً معه بالبركة السرائرية (أي الإفخارستيا)، بل وصرنا متحدين معه من وجه آخر أيضاً، لأننا صرنا شركاء طبيعته الإلهية بواسطة الروح. فإنه يسكن في نفوس القديسين، وكما يقول يوحنا الطوباوي: «بهذا نعلم أنه فينا، من الروح الذي أعطانا» (1يوحنا 3: 24)، إذن فقد صار هو حياتنا وهو برُّنا!].

 

اضغظ هنا للتحميل