سفر الخروج

يوناني عربي

الترجمة السبعينيةللكتاب المقدس

بالمقارنة مع النص العبري والترجمة القبطية

أنبا إبيفانيوس

أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار

سفر الخروج

مقدمة

اللغة العبرية هي لغة اليهود العبرانيين التي تكلموا بها منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وهي اللغة الأصلية التي دُوِّن بها كتاب العهد القديم بأكمله، ما عدا 268 آية كُتبت بالآرامية (سفر دانيال 2: 4-7: 28؛ سفر عزرا 4: 8-6: 18؛ 7: 12-26 ؛ سفر إرميا 10: 11 بالإضافة إلى كلمتين وردتا في سفر التكوين 31: 41-47).

تاريخ الترجمة السبعينية:

تُعتبر الترجمة السبعينية للعهد القديم أقدم ترجمة يونانية وصلت إلينا نقلًا عن النص العبري الأصلي. وأسفار موسى الخمسة هي أول الأسفار التي تم ترجمتها. وقد وردت أقدم إشارة عن هذه الترجمة في كتابات الفيلسوف اليهودي الإسكندري أرستوبولس (حوالي عام 170 ق.م)، ومنها نعرف أن هذه الترجمة تِّمت فى مدينة الإسكندرية في زمان حكم بطليموس الثاني فيلادلفيوس ملك مصر (285-247 ق.م). ويتأكد هذا الكلام عينه من رسالة أرستياس المرسلة إلى فيلو كراتس (بين عامي 170 و 100 ق.م)، والتى تنص على أن الترجمة تمت بواسطة اثنين وسبعين شيخًا من شيوخ اسرائيل، حسب طلب الملك ومن هنا عُرفت باسم <<الترجمة السبعينية>> نسبة لهؤلاء الشيوخ. وبالرغم من أن هذا العنوان كان يُقصد به فى المقام الأول الأسفار الخمسة التي تمت ترجمتها بالفعل فى ذلك الوقت، إلا أن الاسم اتسع فيما بعد ليشمل كل أسفار العهد القديم التي تُرجمت في وقت لاحق. ويتضح لنا من افتتاحية سفر حكمة يشوع بن سيراخ، أنه بنهاية القرن الثاني قبل الميلاد كان قد تم ترجمة كل أو معظم أسفار العهد القديم إلى اللغة اليونانية. وليس هناك ما يدعونا للشك، في أن هذه الترجمة هي نفس الترجمة الموجودة بين أيدينا اليوم والمعروفة بالترجمة السبعينية.

وبسبب أن الترجمة السبعينينة هي عمل يهودي محض، لذلك فقد لاقت قبولاً وترحيبًا من الجاليات اليهودية المختلفة. وبحسب شهادة أرستياس نجد أنها نالت اعترافًا رسميًّا من الجماعات اليهودية المقيمة بمدينة الإسكندرية.حتى أنَّ أشهر العلماء اليهود في ذلك الوقت، مثل الفيلسوف اليهودي الإسكندري فيلو والمؤرخ اليهودي الشهير يوسيفوس، قد آثروا الاقتباس من نصوص هذه الترجمة فى كتاباتهم المختلفة. وقد ساعدت هذه الترجمة في الحفاظ على الهوية والديانة اليهودية وانتشارها خارج نطاق إسرائيل، خاصة وأن اليهود المقيمين في الشتات كانوا قد فقدوا بالتدريج لسانهم العبري، ومن ثمَّ القدرة على التواصل مع تراثهم المقدس، وبقاءهم أمناء لتعاليم الكتب المقدسة. من ناحية أخرى فقد أتاحت هذه الترجمة الفرصة للشعوب من غير اليهود لفحص ودراسة هذه الكتابات.

بالإضافة إلى ذلك، فقد مهدت <<السبعينيةُ>> الطريقَ أمام المبشرين والكارزين بالمسيحية. ففي الأيام الأولى للمسيحية كان العهد القديم هو <<الكتب المقدسة>> بحصر المعنى بالنسبة للمؤمنين الجدد (2تي 3: 15)، كما هو الحال أيضًا بالنسبة لليهود. ولذلك اعتبر الكثيرُ من المبشرين أن العهد القديم هو نقطةٌ محورية في الكرازة بالمسيح، خاصة وأن معظم المؤمنين الجدد كانوا من اليهود، وكانوا على دراية بكتب العهد القديم، عن طريق هذه الترجمة السبعينية. ولذا تبنت الكنيسة المسيحية الأولى الترجمة السبعينية، وصارت هي <<الكتب المقدسة>> للكنيسة الوليدة، ولا سيما خارج دائرة أورشليم.

على صعيد آخر، كان للترجمة السبعينية تأثيرٌ مباشرٌ على كلٍّ من الكتابات اليهودية والمسيحية على حدٍّ سواء. فقد دخلت المفردات اليونانية المستعملة في الترجمة السبعينية فى الكتابات اليهودية اللاحقة، مثل أسفار الأبو كريفا وكتب التفسير والشعر والكتابات الجدلية والدفاعية اليهودية. وكان من نتيجة تبني الكنيسة لهذه الترجمة، واعتماد الآباء الرسل عليها – كما يتضح من الأناجيل وبصفة خاصة إنجيل القديس لوقا – أن ظهرت المفردات والمصطلحات اللاهوتية المستعملة في السبعينية في كتابات العهد الجديد أيضًا، مثل كلمات: الناموس والبر والرحمة والحق والفداء…، وأصبح لزامًا أن تُفهم هذه المصطلحات في سياق معناها كما وردت في السبعينية.

وظلت الترجمة السبعينية هي <<الكتب المقدسة>> لآباء الكنيسة الأولى، فقد استشهدوا بآياتها في كتاباتهم وعظاتهم ومجادلاتهم مع اليهود ومع أصحاب التعاليم الغريبة التي ظهرت لاحقًا. كما اعتمدوا عليها في أيَّة إرساليات تبشيرية، وأصبحت هي المصدر الرسمي عند الحاجة لترجمة أسفار العهد القديم للمؤمنين الجدد، ومن ثم لم تعد هناك ضرورة للعودة للترجمة من النص العبري رأسًا.

واستمر التأثير الإيجابي للترجمة السبعينية على إيمان الكنيسة بأسفار العهد القديم عبر العصور. فقد اتخذت كافة الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية أسماء وترتيب أسفار العهد القديم كما جاءت فى السبعينية، وليس كما وردت في النص العبري. فأسماء أسفار موسى الخمسة اليونانية: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية، هي المستعملة حتى الآن في كافة الترجمات اللاحقة، بعكس النص العبري الذي يعتمد أول كلمة في السفر كاسم لهذا السفر. كما أن ترتيب الأسفار في الترجمة السبعينية – والذي يتفق تقريبًا مع تاريخ كتابة هذه الأسفار – والذي يُقسِّم العهد القديم إلى أربعة أجزاء هي: التوراة والأسفار التاريخية والأسفار الشعرية والأنبياء، قد اعتُمد كترتيب في كافة الترجمات التي جاءت بعد ذلك، وليس الترتيب العبري الذي يقسِّم الأسفار إلى ثلاث مجموعات فقط، هي: التوراة والأنبياء والكتابات.

أخيراً، ترجع أهمية السبعينية أيضًا إلى أنها تشرح لنا كيف فهم الأقدمون النص العبري وكيف فسَّروه. فمن المعروف، أن أى ترجمة تُعتبر ترجمة تفسيرية لحدٍ ما، لكل لغة أدبياتها، ولكل عصر أدواته في الترجمة، والسبعينية هي أقدم ترجمة للتوراة العبرية تصل إلينا، وأول ترجمة لأول نص مقدس عرفه التاريخ.

سفر الخروج