عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ

 

«شَاكِرِينَ الآبَ … الَّذِي أنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ… لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى الأَرْضِ أمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ» (كو 1: 12-20).

الصليب هو علامة المصالحة العظمى، المصالحة التي قام بها الله، ليصالح البشر جميعًا مع نفسه، والإنسان مع أخيه الإنسان، بعد العداوة التي استمرت آلاف السنين منذ بدء الخليقة: «وَيُصَالِحَ الِاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ» (أف 2: 16). وهكذا: «أمَّنَ بدم صليبه ووحَّد وألَّف السمائيين مع الأرضيين، والشعب (اليهودي) مع الشعوب (الأمم)، والنفس مع الجسد» (صلاة القسمة السريانية).

فبموت الرب على الصليب تمَّت المصالحة، وبحياة الرب الآن وجلوسه عن يمين الآب، يتمُّ خلاصُنا، لأنه يحملنا في جسده: «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً بِاللَّهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ» (رو 5: 10-11).

وما زال الصليب هو علامة المصالحة بين المتخاصمين، لأنه علامة البذل والمحبة، وكل مصالحة لا تتم دون بذل ومحبة، مآلها إلى الانفصام: «وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أمَامَهُ» (كو 1: 21-22).

وما يزال الصليب أيضاً وسيلة الوَحدة والمصالحة بين المؤمنين، وَحدة البذل والتواضع وقبول الآخر. فتحت راية الصليب تتم الوحدة في الكنيسة، وبواسطته نصير من أهل بيت الله (أف 2: 19). يقول القديس كيرلس الكبير في شرحه على سفر إشعياء (11: 13):

[إن راية المسيح أي الصليب المكرَّم قد صار دافعاً لجميع الذين على وجه الأرض للسعي معاً نحو وحدة الإيمان، والدخول به (بالصليب) في علاقة قُرْبى مع الآب القدوس. وهذا يتضح مما كتبه القديس يوحنا الإنجيلي أن (قيافا)، سَبَقَ «وتَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللَّهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ» (يو11: 51 و52). فقد صار المسيح سلامنا، ونقض كالمكتوب حائط السياج المتوسط، وأبطل ناموس الوصايا في فرائض، وخلق الشعبين إنساناً واحداً جديداً، وصالحهما كليهما في نفسه مع الله الآب (أف2: 14-16)].

لذلك يحق لنا أن نُرنِّم مع القديس بولس الرسول قائلين: «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غل 6: 14).

 

اضغظ هنا للتحميل