فانفتحت أعينهما

فانفتحت أعينهما

في عشية قيامة ربنا يسوع من بين الأموات، انطلق اثنان من تلاميذه عائدين إلى بلدتهما عمواس، ولأنهما كانا منشغليْن طوال الطريق بالحديث حول صلب الرب يسوع وخبر قيامته، لذلك صارا مُهَيَّئيْن لظهور الرب لهما والسير معهما (لو 24: 13 – 35).

وفي الطريق تواصل الحوار حول رجاء إسرائيل، المسيا (أع 26: 6-7) الذي طالما انتظرته الأجيال التقية (لو 2: 38)، ليخلِّص الشعب الذي اختاره الرب، من تحت وطأة عبودية جسدية وروحية. وعندما وصلا إلى مشارف قريتهم، ألزما الربَّ بأن يقضي الليل عندهما، لأن النهار أوشك على الانتهاء، «فلما اتكأ معهما، أخذ خبزاً وبارك وكسَّر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه» (لو 24: 30-31).

لحظة كسر الخبز والتناول من جسد الرب ودمه الأقدسين هي أقدس لحظة في حياتنا على الأرض، إن كانت تُحسب هذه اللحظة من أيامنا الأرضية؛ لأنها لحظة الثبوت المتبادل بين رب المجد يسوع وبيننا: «من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو 6: 56)؛ كما أنها اللحظة التي فيها نحيا بحياة الله: «فمن يأكلني فهو يحيا بي» (يو 6: 57). [لأن الخبز الذي نأكله ليس خبزاً ساذجاً، بل إفخارستيا مكوَّنة من شقين: الواحد أرضي والآخر سماوي]، كما يقول القديس إيرينيئوس[1]، أو بحسب تعليم القديس يوحنا ذهبي الفم: [الشيء الذي ترتعد الملائكة من مجرد رؤياه، ولا تجسر أن تنظر إليه بدون رعدة، بسبب شدة البريق المنبعث منه، هذا بعينه هو الذي نأكله][2].

لذلك يصرخ الكاهن في القداس الإلهي قائلاً: «القدسات للقديسين»؛ لنا نحن المؤمنين، الذين نشعر بعدم استحقاقنا للاقتراب من المذبح المقدس؛ معترفين بفم الكاهن: «أن لاهوته لم يفارق ناسوته، لحظةً واحدةً ولا طرفة عين، يُعطى عنا خلاصاً، وغفراناً للخطايا، وحياةً أبديةً لمن يتناول منه».

إن أفضل وسيلة نعبِّر بها عن إيماننا بربنا يسوع المسيح هي التناول من جسده ودمه الأقدسين، لأنه: «كلَّما أكلتم من هذا الخبز، وشربتم من هذه الكأس، تُخبرون بموت الرب إلى أن يجيء» (1كو 11: 26)؛ أو حسب منطوق القداس الإلهي: «تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكرونني إلى أن أجيء». لأن أي طعام مادي نأكله يتحول فينا إلى عناصر طبيعتنا البشرية، [أما خبز الحياة فإنه هو الذي يحوِّلنا إلى طبيعته الخاصة]، حسب قول القديس غريغوريوس النيسي[3]؛ لأن «من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد» (يو 6: 58).


[1]  (ضد الهرطقات 4: 18: 5).

[2]  (عظة 82 :5 على إنجيل متى).

[3]  (العظة التعليمية الكبرى 37)

اضغظ هنا للتحميل