معوقات في طريق الوحدة الكاملة

مؤتمر برو أورينتى

عُقد في فيينا عاصمة النمسا في الفترة ما بين 28 نوفمبر والأول من ديسمبر 2016، وهو لقاء للحوار غير الرسمي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الشرقية الأرثوذكسية. وقد مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نيافة أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار وجناب القس شنوده أسعد من كنيستنا في فيينا. كما حضر وفود عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة مالنكارا بالهند والكنيسة الأرثوذكسية بأثيوبيا والكنيسة الأرثوذكسية الأرمينية بعائلتيها، بالإضافة إلى مندوبين عن الكنيسة الكاثوليكية. دار الحوار في جو تسوده المحبة والتفاهم والرغبة في الوحدة بين الكنائس المختلفة. وهذه هي الكلمة التي ألقاها أنبا إبيفانيوس في هذا اللقاء:

معوقات في طريق الوحدة الكاملة

واقتراحات لمواجهتها

السيد رئيس المؤتمر

أصحاب النيافة والسيدات والسادة الحضور

يشرفني أن أحضر بينكم الآن لأول مرة في مؤتمر برو أورينتي، فقد كلفني حضرة صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية أن أكون بينكم الآن، وهو يرسل إليكم تحياته ويصلي من أجل نجاح هذا اللقاء. وقد شارك قداسته منذ عامين في هذا المؤتمر لأول مرة بعد اعتلائه كرسي القديس مرقس الرسول، وكان لقداسته بعض الاقتراحات حول توحيد الاحتفال بعيد القيامة المجيد، كما أن أول زيارة قام بها خارج مصر كانت لمقابلة قداسة البابا فرنسيس في روما، كرغبة حقيقية في الوحدة بين الكنائس.

وكان لقداسته خطوات عملية نحو التقارب بين الطوائف، ففي عهد قداسته أُنشىء في مصر لأول مرة مجلس كنائس مصر، وهو مجلس يضم كافة الكنائس التي لها تواجد داخل مصر؛ كما شارك قداسته لأول مرة في تاريخ كنيستنا في طقس تنصيب بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر.

نتذكر اليوم قداسة المتنيح البابا شنوده الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي كان له الفضل في إزالة الكثير من سوء التفاهم حول العقيدة الكريستولوجية، ههنا في اجتماع برو أورينتي في سبتمبر 1971، الأمر الذي أكده ووثقه فيما بعد في لقائه بالبابا بولس السادس في مايو 1973، وقد تم في عهدهما أول اتفاق كرستولوجي بين الكنيسة القبطية والكنيسة الكاثوليكية، وكان إيذاناً بفتح صفحة جديدة للعلاقات بين الكنائس الغربية والكنائس الشرقية بعائلتيها. هذا وقد تم التوقيع رسمياً على الاتفاق المشترك بشأن طبيعة السيد المسيح بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وذلك في دير القديس أنبا بيشوي بمصر عام 1988[1].

كما أنقل لكم تحيات وصلوات حضرة صاحب النيافة أنبا بيشوى مطران دمياط والمسئول الرسمى عن الحوار بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ضمن العائلة الأرثوذكسية الشرقية، وكافة العائلات الكنسية الأخرى بما فى ذلك الكنيسة الكاثوليكية.

عنوان هذا اللقاء: معوقات في طريق الوحدة الكاملة واقتراحات لمواجهتها.

أولاً يجب أن أشيد بالمجهود الجبار الذي قامت به مؤسسة برو أورينتى من أجل تقريب وجهات النظر بين الأشقاء، لأنني أعتقد أنه من أكثر المعوقات التي كانت تفصل الكنائس، هو تباعد الكنائس بعضها عن بعض، ليس فقط التباعد المكاني ولكن الفكري والثقافي، الأمر الذي أدَّى إلى صعوبة فهم وقبول الكنائس لبعضها البعض، وكان لمؤسسة برو أورينتى الفضل في إزالة الكثير من سوء الفهم بين الكنائس المختلفة. فلا ننسى أنه بسبب انفصالنا بعضنا عن بعض لمدة مئات السنين، وإضافة الكثير من الطقوس والعقائد التي لم يكن هناك اتفاق عليها بين الكنائس المختلفة، زادت الهوة أو زاد التباعد بين الكنائس. ومن هنا نشأت مشاكل كثيرة لم تكن موجودة وقت انفصال الكنائس، وتحتاج هذه المشاكل المستحدثة الاتفاق في كيفية قبولها. أما المشاكل القديمة التي كانت السبب الأصلي في الفرقة بين الكنائس، فقد دلت المحادثات المتأنية بين اللاهوتيين المدققين من الطرفين أنها لم تَعُدْ تبرر استمرار حالة الانقسام التي نحن فيها. والآن هناك بعض الاقتراحات التي ربما تزيل بعض المعوقات أمام الوحدة الكاملة بين الكنائس.

أولاً: رفع أي نوع من الحرومات مهما كان نوعها بين الكنائس المختلفة، فبدون رفع هذه الحرومات أنتم ما زلتم هراطقة في نظرنا، وهكذا نحن في أعينكم. وأشعر أن هناك صعوبة شديدة في تلاقي الهراطقة، ولكن من الأسهل تلاقي المختلفين.

هذا وقد سبق الاتفاق في جنيف عام 1990 بين العائلتين الأرثوذكسيتين على أنه:

يجب على الأرثوذكس رفع كل الحروم والإدانات ضد كل مجامع وآباء الأرثوذكس الشرقيين الذين سبق لهم حرمهم أو إدانتهم في  الماضي. يرفع الآباء الأرثوذكس الشرقيون في نفس الوقت كل الحروم والإدانات ضد كل مجامع الأرثوذكس وآبائهم الذين تم حرمهم أو إدانتهم في الماضي[2].

ثانياً: احترام كل كنيسة لقديسي الكنيسة الأخرى وقبول أن تُكرِّم الكنيسة الأخرى قديسيها، ووقف الهجوم المتبادل عليهم، فالكنائس تعتز بقديسيها ولا توجد كنيسة واحدة تستطيع أن تتخلى عن ميراثها الذي استمر معها لأكثر من خمسة عشر قرناً. وإذا نظرنا للقديسين محل الخلاف بيننا نظرة محايدة، فسنكتشف أن كلاً من أولئك القديسين كانوا أمناء لتعليم الكنيسة كما فهموه وقتها، ولم يكن غرض أي منهم حدوث انقسام بين الكنائس، كما لم يكن في نية أحدهم التخلي عن الإيمان كما سلمه لنا الرسل.

ثالثاً: قبول واحترام القديسين الجدد الذين قام عليهم تاريخ الكنيسة بعد الانفصال بيننا. أو على الأقل إن لم أستطع أن أعترف بهم كقديسين مشتركين فيما بيننا، فعلي أن أدعوهم بقديسي الكنيسة القبطية أو الأثيوبية أو البيزنطية أو الكاثوليكية، وهكذا، دون أدنى تجريح أو إقلال من قداستهم، حتى يأتي الوقت لقبول جميع أولئك القديسين قبولاً كاملاً من كافة الكنائس.

رابعاً: النظر بجدية في قبول معمودية الكنائس المختلفة باعتبار الكنائس موضع النقاش جميعها كنائس تقليدية، بها رئاسة كهنوتية منذ أيام الرسل، وتتم بها المعمودية باسم الثالوث الأقدس، كما يتم فيها منح الروح القدس بواسطة سر التثبيت أو سر الميرون على غرار وضع أيدي الرسل.

خامساً: وبناءً على قبولنا لمعمودية بعضنا البعض، فعلينا النظر في قبول إشتراك المؤمنين في سر الإفخارستيا بين الكنائس التقليدية المختلفة خاصة في البلدان التي لا تتوفر فيها كنائس لكل الطوائف، للتسهيل على الشعب المسيحي التقرب من سر الإفخارستيا الذي يمثل عصب الحياة المسيحية لكافة الكنائس. وأنا شخصياً أعتقد أنه لكي تتم الشركة الكاملة بين كافة الكنائس، نحتاج إلى قوة توحد بيننا، وليس هناك من قوة أكثر من سر الإفخارستيا الذي يستطيع أن يوحدنا معاً.

سادساً: العمل على توحيد ميعاد الاحتفال بالأعياد الكنسية الكبرى التي بواسطتها يستشعر الشعب المسيحي أن هناك وحدة حقيقية تتم بين الكنائس. مع العمل على قدر الإمكان في تقريب وجهات النظر المختلفة فيما يخص تقليد كل كنيسة في تحديد ميعاد الاحتفال بمثل هذه الأعياد.

بعد الاتفاق على هذه النقاط الأساسية، نتخذ خطوات أوسع لإزالة المعوقات الكثيرة التي أضيفت من كافة الكنائس على نصوص إيمانها ومعتقداتها، مما يجعل باقي الكنائس لا تقبل هذه الزيادات، خاصة أن الأجواء الثقافية والاجتماعية التي تمر بها كل كنيسة تختلف في أحيانٍ كثيرةٍ اختلافاً بيناً فيما بينها. وهذه الإضافات تحتاج إلى شرح وتفاهم حتى يتم قبولها من الكنائس المختلفة.

فعلى سبيل المثال:

أولاً: إيمان بعض الكنائس بعقيدة خلاص غير المسيحيين، يحتاج إلى شرح وتوضيح لباقي الكنائس، خاصة الكنائس التي يمثل المؤمنون بها أقلية في مجتمعات غير مسيحية يمارس أتباع تلك الديانات أو المعتقدات دعاية مستمرة لترك الدين المسيحي، ومن ثم تُعتبر هذ العقيدة الجديدة ذريعة للتقريب بين الديانات وكأنها ديانة واحدة، ولأصحاب الديانات نفس المصير الأبدي، فينخدع البسطاء وغير العارفين.

ثانياً: هناك مقولات إيمانية دخلت كنائسنا في عصور لاحقة، وأصبحت تشكل جزءًا أساسياً من ممارساتنا الطقسية اليومية، تحتاج إلى مراجعة مع شرح وتوضيح لمعانيها للكنائس الأخرى حتى لا تمثل هذه الإضافات معوقات للوحدة، خاصة مثل عقيدة الحبل بلا دنس وانبثاق الروح القدس من الآب والابن، ورئاسة القديس بطرس وما يتبعه من رئاسة بابا روما.

ثالثاً: توسع بعض الكنائس في إنشاء كيانات خاصة بها في إيبارشيات لكنائس أخرى قديمة، تجعل هناك إحساساً بمحاولة السيطرة على أتباع تلك الكنائس، خاصة إن كانت هذه الإيبارشيات تتبع كنائس قديمة تقليدية، لكنها كنائس ذات قدرات اقتصادية ضعيفة.

أما على الصعيد الشخصي، فإني أرى أنه ربما أكبر معوق للوحدة بين الكنائس، هو عدم الرغبة في الوحدة لدى الأشخاص المسؤولين عن الحوار. ربما يكون لهؤلاء الأشخاص تخوف من هيمنة بعض الكنائس القوية على الكنائس الأقل مقدرة، فالتاريخ مليء بالصراعات التي لا نجد مبرراً أو تفسيراً منطقياً له الآن، سوى الصراع حول من هو الأعظم (مر 9: 34).

نصلي أن يعطي الرب نعمة للقائمين على الحوار بين الكنائس، فعليهم مسئولية تاريخية، فالعالم المسيحي ينتظر أن يرى هذه الوحدة التي يطلبها الرب يسوع وقد تحققت، وهم يشعرون أن رجال الكنيسة هم أكبر معوق لهذه الوحدة. فنرجو أن تتغير هذه الصورة، وأرجو أن نفرِّح قلب المسيح بهذه الوحدة التي طلبها، في المستقبل القريب وليس بعد أجيال طويلة.


[1] القرارات المجمعية في عهد صاحب القداسة البابا شنوده الثالث 117، الإصدار الثالث 2011م، ص 327- 330.

[2] القرارات المجمعية في عهد صاحب القداسة البابا شنوده الثالث 117، الإصدار الثالث 2011م، ص 296؛  302.

 

اضغظ هنا للتحميل