مِلْءُ الزَّمَانِ
منذ أكثر من ألفي عام، وُلد الربُّ يسوع في أرضنا. هذا الحدث الهام أحدث تغييراً شاملاً في تاريخ الجنس البشري، فمنذ تلك اللحظة انقسم تاريخ البشرية إلى ما قبل الميلاد، وما بعد الميلاد، وصارت السنة الميلادية التي تؤرخ لميلاد الربِّ يسوع فيما بعد التقويم الرسمي الأول لجميع شعوب الأرض.
+ لما جاء ملءُ الزمان، لما جاءت اللحظة المحددة من الله ليفتقدَ شعبَه، تجسد من العذراء القديسة مريم، لأنه لم يأخذ جسداً غريباً عنا، بل اتخذ جسداً مثلنا تماماً، خاضعاً لأحكام وقوانين شريعة موسى، ليعتقنا ويحرِّرنا من لعنة الناموس: «اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ» (غل 3: 13).
+ لما جاء ملءُ الزمان، ارتضى الربُّ أن يصير واحداً منا، يحمل آلامنا، ويشاركنا في همومنا، يفرح لفرحنا، ويتألم لأوجاعنا، ويُجرَّب مثلنا: «لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب 2: 18).
+ لما جاء ملءُ الزمان، وجد الربُّ أن البشرية أصبحت مهيأةً لاستقبال الابن المتجسد، الابن الوحيد المحبوب، ابن الآب بالطبيعة، ليمنحنا نحن أيضاً أن نكون أولاداً لله بالتبني: «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ» (يو 1: 12).
+ لما جاء ملءُ الزمان، ليعيد الله خلقتنا من جديد، مانحاً إيانا ولادةً جديدةً، غير ولادتنا بالجسد، ولادة لا تنتهي بالموت، بل تنتهي بنا إلى ملكوت الله: «أَجَابَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ» (يو 3: 15).
+ لما جاء ملءُ الزمان، ليعلن الله حبَّه الأبوي، أرسل لنا ابنه الحقيقي، المولود من الآب قبل كل الدهور، ليمنحنا نحن المؤمنين به الحياة الأبدية: «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو 3: 16).
وكما نقول في التسبحة: [الواحد من الثالوث، المساوي للآب في الجوهر، لما نظر إلى ذلِّنا وعبوديتنا المرة، طأطأ سموات السموات، وأتى إلى بطن العذراء، وصار إنساناً مثلنا، ما خلا الخطيئة وحدها. لما وُلِدَ في بيت لحم، كأصوات الأنبياء، أنقذنا وخلَّصنا، لأننا نحن شعبُه] (تذاكية يوم الخميس).
يقول معلمنا بولس الرسول: «وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ» (غل 4: 4-5).