وتغيرت هيئته قدامهم

وتغيرت هيئته قدامهم

«1وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ. 2وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. 3وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ» (مت 17: 1-3).

كلمة تغيرت التي وردت في هذه الآية: «وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ»، تعني تغيير الشكل الخارجي لتظهر الصورة الداخلية الأصيلة. فالرب يسوع عند تجسده أخلى ذاته وأخذ شكل العبد (في 2: 7)، لأنه لم يأت ليُخدم، بل ليَخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مر 10: 45). لكن هنا على جبل التجلي فقد غيَّر هيئته الخارجية التي تدل على صورة العبد، إلى هيئته الداخلية التي تظهر مجد ألوهيته.

وفي الرسالة إلى أهل رومية، يستعمل القديس بولس نفس الكلمة: «وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رو 12: 2). فبعد أن يحث المؤمنين ألاَّ يأخذوا شكل أهل هذا الدهر في مظهرهم الخارجي، وألاَّ يماثلوا أبناء العالم في سلوكهم وتصرفاتهم، فهذه ليست طبيعتهم الجديدة التي أخذوها في المعمودية، يخاطبهم: «بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ»، وهي الكلمة التي وردت عن رب المجد على جبل التجلي، أي اجعلوا شكلكم الخارجي أمام الناس يعبِّر تعبيراً حقيقياً عن الرب يسوع المسيح الساكن في قلوبكم (أف 3: 17).

كما يستعمل نفس هذه الكلمة التي تُعبِّر عن «تغيير هيئة» المسيح على جبل التجلي حينما يُشير إلى تغييرنا الروحي نتيجةً لتثبيت نظرنا في المسيح: «وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ» (2كو3: 18).

وكما يقول القديس أنبا مقار في عظته الخامسة عشر:[ كما أن جسد الرب تمجَّد لما صعد إلى الجبل، وتجلَّى بالمجد الإلهي وبالنور اللانهائي، هكذا أيضاً أجساد القديسين ستتمجد وتُضيء كالبرق. فكما أن مجد المسيح الكائن داخله قد امتد إلى جسده أيضاً وجعله يضيء، هكذا أيضاً سيحدث بالمثل للقديسين أن قوة المسيح الكائنة داخلهم ستمتد في ذلك اليوم إلى الخارج أيضاً وتفيض على أجسادهم. فإنهم منذ الآن ينالون شركة في أذهانهم من جوهره وطبيعته، فإنه مكتوب: «لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ» (عب 2: 11). وأيضاً: «وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (يو 17: 22). فكما أن مصابيح كثيرة توقد جميعاً من نار واحدة، هكذا أيضاً بالضرورة لابدَّ أن أجساد القديسين، التي هي أعضاء المسيح، تصير على حال المسيح نفسه].

 

اضغظ هنا للتحميل