يونان النبي كرمز للرب يسوع

 

لم نتقابل مع الرب يسوع من قبل وهو يفتخر بعظمته أمام أحد مخلوقاته، بل نراه دائماً يقول: «تَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متى 11: 29)، لكن عندما قارن نفسه بيونان النبي قال: «هُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا!» (لوقا 11: 32).

فما هي عظمة يونان التي قارن الربُّ نفسه بها؟

يونان النبي:

هو يونان ابن أمتّاي، كان يعيش في القرن الثامن قبل الميلاد، وقد وُلِدَ في مدينة جتّ حافر في أرض زبولون على بُعد خمسة أميال شمالاً من الناصرة. وفي بدء خدمته كان معروفاً ومحبوباً لأنه تنبَّأ عن نصرة إسرائيل واتساع أراضيها إلى حدودها الأصلية.

كان يونان نبي الله العلي، أحد أنبياء بني إسرائيل، المتكلمين باسم الرب للشعب العبراني. لكن الرب اختاره وأرسله برسالة لمدينة أممية، ليست من رعوية بني إسرائيل، بل وعلى عداء مع هذا الشعب. وكانت الرسالة تحوي في طياتها المناداة بخراب هذه المدينة: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي» (يون 1: 2).

وقام يونان ليهرب من الله، ورفض تبليغ هذه الرسالة، ليس شفقة منه على شعب نينوى، بل لأنه يعلم أن الله رحومٌ، ولا يشاء موت الخاطئ، لذلك توقَّع أن يرجع الله في تهديده ووعيده ضد شعب نينوى، فيظهر الربُّ وكأنَّ كلمته قد سقطت.

 ثم أطاع النبي أمر الربِّ، بعد أن أعاده الله لوجهته الصحيحة، عندما أبقاه في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. وذهب إلى مدينة نينوى، المدينة العظيمة، العظيمة في حضارتها، والعظيمة في شرِّها. ونادى يونان: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً تَنْقَلِبُ نِينَوَى» (يون 3: 4).

واستجاب الشعب لدعوة الله، ورجع أهل نينوى عن طريقهم الشريرة بتوبة حقيقية، فاغتمَّ النبي، لأنَّ ما توقَّع قد حدث. لم يكن غضب يونان النبي بالدرجة الأولى لأن الله لم ينتقم من ذلك الشعب المعادي لشعب الله، بل لأنّ كلمة الربِّ لم تُنفَّذ. كان النبي غيوراً على سمعة الله، أكثر من غيرته على هلاك شعب بأكمله يمكن أن يرجع للرب بالتوبة.

أعظم من يونان:

إن عظمة الرب يسوع، إذا قارناه بيونان النبي معروفة لنا جميعاً، فشتان بين أن نقارن الخليقة بخالقها. لكن تتجلَّى عظمة الرب في إرساليته، فقد أتى إلى خاصته، أما خاصته فلم تقبله (يوحنا 1: 11)؛ لم يهرب عندما أحسَّ بثقل الرسالة، بل كما يقول عنه إشعياء النبي: «السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُناً وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ. بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ» (إشعياء 50: 5-6)؛ لم ينادي للشعب بالهلاك كما فعل يونان، بل أعلن صراحة: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يو 10: 10)؛

وقد قارن القديس يوحنا ذهبي الفم بين خدمة الرب يسوع ورسالة يونان النبي في تفسيره على إنجيل متى (12: 41) قائلاً على لسان الرب يسوع:

[ فإنه هو كان مجرد عبدٍ، وأما أنا فإني السيِّد.

هو خرج من بطن الحوت، وأما أنا فقمتُ من بعد الموت.

هو كرز بالهلاك، وأما أنا فجئتُ مبشِّراً بالملكوت.

إنهم آمنوا به دون أن يصنع آية، وأما أنا فأظهرتُ آياتٍ بلا عدد.

إنهم لم يسمعوا منه أكثر من ذلك الكلام (التهديد بالهلاك)، وأما أنا فحركتُ فيكم جميع المُثـُل العُليا.

إنه جاء كمجرد خادم، أما أنا فأتيتُ كرب وسيد الجميع، ليس لأُهدِّد أو أحاسب من جهة الاستقامة، بل لأُقدِّم لكم الصفح …

لم يتنبَّأ أحدٌ عنه، وأما عني فالجميع تنبَّأوا. ثم جاءت الأحداث مُطابقة للنبوَّات.

هو عند ذهابه إليهم هرب لئلا يسخروا به، وأما أنا فجئتُ عالماً أني سأُصلب ويُستهزأ بي.

هو لم يحتمل مجرد التعيير من أجل الذين سيخلصون، وأما أنا فاحتملتُ الموت، بل وأشنع موت لأجلكم!].

 

كانت نينوى مدينةً عظيمةً، وكانت تقع في بلاد ما بين النهرين، أي في العراق حالياً. ولم تكن عظمة نينوى في النواحي الحضارية والمعمارية فقط، فقد اشتهرت في الكتاب المقدس بعظمة أخرى. للأسف كانت عظيمة أيضاً في الشرِّ. ولم ينتشر شرُّ هذه المدينة إلى البلدان المجاورة فقط، بل صعد إلى أعلى السموات. لذلك نرى الله الرحوم الذي: «لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (2بط 3: 9)؛ يرسل إليها يونان النبي قائلاً له: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي» (يون 1: 2).

 

اضغظ هنا للتحميل