أن يخلِّصه من الموت
أن يخلِّصه من الموت
في نبوة الساعة التاسعة من بصخة يوم الجمعة الكبيرة، من سفر إرميا، يبدأ إرميا في الشكوى أمام الله من ظالميه، ويطلب من الله أن يتدخل لينقذه من أيديهم (إر 11)، ثم في إنجيل هذه الساعة، يصرخ الرب يسوع على الصليب: إلهي إلهي لماذا تركتني. هناك آية في رسالة العبرانيين تشرح لنا هذه الشكوى وهذا الصراخ، وربما يكون هي الآية الوحيدة في رسالة العبرانيين التي تتكلم عن القيامة.
(عب 5: 7): الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ.
الذي في أيام جسده: لم يحدد لنا سفر العبرانيين أية فترة زمنية مقصودة، ربما يكون طوال فترة تجسده، كتعبير عن صلاته الكثيرة للآب، أو في بستان جثسيماني، أو على الصليب.
يرى بعض الآباء أن المقصود بصلاته بصراخ شديد ودموع وطلبات هو صدى لما قاله على الصليب، عندما بدأ بمزمور 22
1- إِلَهِي! إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي بَعِيداً عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي؟.
6- أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ.
7- كُلُّ الَّذِينَ يَرُونَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ الشِّفَاهَ وَيُنْغِضُونَ الرَّأْسَ قَائِلِينَ:.
8- اتَّكَلَ عَلَى الرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ. لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ.
11- لاَ تَتَبَاعَدْ عَنِّي لأَنَّ الضِّيقَ قَرِيبٌ. لأَنَّهُ لاَ مُعِينَ.
12- أَحَاطَتْ بِي ثِيرَانٌ كَثِيرَةٌ. أَقْوِيَاءُ بَاشَانَ اكْتَنَفَتْنِي.
13- فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ كَأَسَدٍ مُفْتَرِسٍ مُزَمْجِرٍ.
14- كَالْمَاءِ انْسَكَبْتُ. انْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي كَالشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي.
15- يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي وَإِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي.
16- لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ.
17- أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ.
18- يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ.
19- أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَلاَ تَبْعُدْ. يَا قُوَّتِي أَسْرِعْ إِلَى نُصْرَتِي.
20- أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ الْكَلْبِ وَحِيدَتِي.
21- خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ evk sto,matoj le,ontoj وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ الْوَحْشِ اسْتَجِبْ لِي.
22- أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ.
إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ: تعبير عن آلام الرب لم تكن تمثيلية، أو ظاهرية، بل كانت آلاماً حقيقية، وصلاته كانت صلاة بدموع وجهاد، حتى صار عرقه قطرات دم.
طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ: طلبات deh,seij وتضرعات i`kethri,aj : كلمة طلبات هي الكلمة المعتادة عن الصلاة والتضرع، أما كلمة تضرعات الواردة هنا فلم ترد في العهد الجديد سوى هذه المرة فقط، وهذه الكلمة كانت تعني أنه إذا كان هناك إنسان غريب وقع في ضيقة شديدة أو في كارثة ومصيبة، وحكم عليه بالموت ظلماً، يأخذ غصن زيتون في يمينه ويطرح نفسه أمام المذبح أو عند عتبة بيت من هو قادر على أن ينقذه من هذه المصيبة، ويرد إليه ما فقده.
أن يخلصه من الموت: نجدها أنها تأتي في اليونانية: evk qana,tou ، وهي تعني من داخل الموت، أي بمعنى أن يقيمه من الموت، إذا فهذه صلاة من أجل القيامة.
نفس هذا التركيب اللغوي نجده في سفر المزامير مزمور 116: 7-9،
أَحْبَبْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَسْمَعُ صَوْتِي تَضَرُّعَاتِي. .. تَذَلَّلْتُ فَخَلَّصَنِي. 7- ارْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى رَاحَتِكِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكِ. 8- لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ (evk qana,tou).
كما ترد في سفر هوشع ( 13: 14) مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ الْمَوْتِ (evk qana,tou) أُخَلِّصُهُمْ. أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ (di,kh أي عقوبتك) يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ تَخْتَفِي النَّدَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ.
وسُمع له من أجل تقواه euvlabei,aj : الموت لا يقدر على الإنسان إلا بالخطية، وطالما لا يوجد خطية ليس للموت سلطان: من منكم يبكتني على خطية.
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ (رو 5 : 12)،
أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ (1كو 15 : 56).
ما زالت هذه الآية عوناً لنا في الطريق، فكل من يحس بالظلم من رئيس هذا العالم، عدو الخير، فليس أمامه إلا أن يتقدم للرب القادر أن ينقذنا، بصراخ ودموع، وإن كنا لا نتكل على تقوانا، بل على تقواه هو، لأنه كل ما فعله على الصليب كان من أجلنا.