عيد الميلاد 2015
الشركة الإلهية
الشركة الإلهية
نقرأ في رسالة البولس لهذا اليوم: «كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ، أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِزَيْتِ الاِبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ» (عب 1: 8-9؛ مز 45: 6-7).
من هم شركاؤه في وقت مسحته، ومن هم شركاؤه الآن؟
الشركاء في القديم:
شركاؤه في وقت مسحته هم ملوك وأنبياء ورؤساء كهنة العهد القديم، الذين كانوا يُمسحون بزيت الزيتون، فيصيروا مسحاء لله. عن هؤلاء يقول الله: «لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي» (1أخبار 16: 22؛ مز 105: 15).
كان الملوك والأنبياء يمسحون بزيت زيتون، وكان يُسمى: دهن المسحة أو قرن الدهن أو قنينة الدهن، كما فعل صموئيل النبي مع داود، وصادوق الكاهن مع سليمان (1صم 16: 13؛ 1مل 1: 39). أما الرب يسوع فقد مُسح بزيت الابتهاج e;laion avgallia,sewj، إشارة إلى مسرة الله بتجسد ابنه وبعمله الكفاري، وأن خلاص الإنسان كان سببه الرئيسي فرح الله بخليقته، ومسرته في خلاصها.
يقتبس ربنا يسوع المسيح نبوءة إشعياء النبي في بدء خدمته: «رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ. لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضاً عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضاً عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضاً عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ، غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ» (إش 61: 1-4).
الشركاء الآن:
يقول معلمنا بولس الرسول: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. لأَنَّهُ حَقّاً لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ». (عب 2: 14-17).
الاشتراك في اللحم والدم، معناه شركة كاملة دون أي تفرقة، وإن كان هناك اختلاف في نوعية اللحم والدم بين من اشترك معهم، ما كان استطاع أن يبيد الموت بواسطة هذا الجسد الذي اشترك فيه معنا. هذه شركة للسماء مع الأرض.
وقول معلمنا بطرس الرسول: «كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (2بط 1: 3-4). نتيجة لما وهبه لنا من كل العطايا السماوية، من حياة وتقوى ومجد وفضيلة ومواعيد عظمى وثمينة، صرنا شركاء الطبيعة الإلهية، هي شركة كاملة، شركة للأرض مع السماء.
ولتوضيح طبيعة هذه الشركة يقول معلمنا بولس الرسول عن الزيتونة البرية والزيتونة الطبيعية: «فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا فَصِرْتَ شَرِيكاً فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا» (رو 11: 17)، دليل على عدم القدرة على الفصل أو التمييز بين الأغصان الطبيعية والأغصان المطعمة.
كيف نحافظ على الشركة مع الله:
واضح أن الشركة مع الله هي عطية سماوية فائقة على الإدراك، أو كما يوضحها معلمنا بولس الرسول: «أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ (ورثة الله ووارثون مع المسيح. رو 8: 17 تشير إلى البنوة، فلن يرث إلا البنون: لست بعد عبداً بل ابناً، وإن كنت ابناً فوارث لله بالمسيح)؛
وَالْجَسَدِ (أي جسد المسيح: يصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب (أف 2: 16)؛
وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ: أي موعد الروح القدس» (أف 3: 6).
فإن كانت كل هذه العطايا سماوية وفائقة على الإدراك، فهل هناك مسئولية علينا للحفاظ على هذه الشركة؟
يلخص معلمنا بولس الرسول هذه المسئولية في عبارة بسيطة تخص حياتنا الرهبانية بالدرجة الأولى: «لأَنَّنَا قَدْ صِرْنَا شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ، إِنْ تَمَسَّكْنَا بِبَدَاءَةِ الثِّقَةِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ» (عب 3: 14).
هنا يعطي القديس بولس مثالاً لشعب إسرائيل الذي بعد أن وثق في الله وخرج وراءه إلى البرية، عاد وتذمر وتقسى قلبه ونسي سبب خروجه وراء الرب.
أحياناً بسبب طول الزمان ننسى دعوتنا، وننسى أننا لم نخرج وراء الرب إلا استجابة لمحبة الرب لنا، ورغبتنا في أن نعيش له طوال أيام حياتنا.
وفي عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح يا ليتنا نجدد عهد خروجنا وراءه في البرية، لنعيش حياة الشركة الحقيقية التي وهبها لنا.