الأخطار التي تعترض الشركة الرهبانية وكيفية مواجهتها
الشركة الرهبانية
أولاً تعريف الشركة:
يقول معلمنا بولس الرسول: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ. لأَنَّهُ حَقّاً لَيْسَ يُمْسِكُ الْمَلاَئِكَةَ، بَلْ يُمْسِكُ نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ. مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ». (عب 2: 14-17).
الاشتراك في اللحم والدم، معناه شركة كاملة دون أي تفرقة، وإن كان هناك اختلاف في نوعية اللحم والدم بين من اشترك معهم، ما كان استطاع أن يبيد الموت بواسطة هذا الجسد الذي اشترك فيه معنا. هذه شركة للسماء مع الأرض.
وقول معلمنا بطرس الرسول: «كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (2بط 1: 3-4). نتيجة لما وهبه لنا من كل العطايا السماوية، من حياة وتقوى ومجد وفضيلة ومواعيد عظمى وثمينة، صرنا شركاء الطبيعة الإلهية، هي شركة كاملة، شركة للأرض مع السماء.
ولتوضيح طبيعة هذه الشركة يقول معلمنا بولس الرسول عن الزيتونة البرية والزيتونة الطبيعية: «فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا فَصِرْتَ شَرِيكاً فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا» (رو 11: 17)، دليل على عدم القدرة على الفصل أو التمييز بين الأغصان الطبيعية والأغصان المطعمة.
ما الهدف من هذا الكلام؟
الهدف هو إيضاح قيمة كلمة الشركة في الحياة الرهبانية. هي ليست شركة كلام، أو شركة معيشة مشتركة فقط لأناس اختاروا أن يعيشوا معاً، بل شركة كاملة أولاً في أمور الروح ثم في أمور الجسد.
وبالتالي، تكون الأخطار التي تعترض الشركة الرهبانية، هي الأمور التي دخلت على الرهبنة لتعيق هذه الشركة الكاملة.
ونلاحظ أن القديس باخوميوس اقتبس نص رسالة العبرانيين عند حديثه مع الأخ الذي أراد أن يقوم بخدمته:
75 – [قيل عن القديس باخوميوس: إنه مضى دفعةً في أمرٍ مع الإخوةِ وكان ذلك الأمرُ يحتاج إلى أن يحملَ كلُّ واحدٍ منهم كميةً من الخبزِ. فقال له أحدُ الشبانِ: «حاشاك أن تحملَ شيئاً يا أبانا، هوذا أنا قد حملتُ كفافي وكفافك». فأجابه القديسُ: «هذا لا يكون أبداً. إن كان قد كُتب من أجلِ الربِّ أنه يليقُ به أن يتشبّهَ بإخوتهِ في كلِّ شيءٍ، فكيف أُميِّزُ نفسي أنا الحقير عن إخوتي حتى لا أحملَ حملي مثلهم. وهذا هو السببُ في أن الأديرةَ الأخرى كائنةٌ بانحلالٍ لأن صغارَهم مستعبدون لكبارِهم وليس من اللائقِ أن يكونَ هذا، لأنه مكتوبٌ: من يريدُ أن يكونَ كبيراً فيكم فليكن لكم عبداً»] (س5: 34ظ).
الأخطار التي اعترضت مسيرة الشركة، واقتراحات بالمواجهة:
سآخذ دير القديس أنبا مقار كمثال، وربما يكون هناك بعض التشابه في بعض النقاط مع بعض أديرتنا الأخرى:
أولاً: ضعف المفهوم الإفخارستي أو سر الشركة:
سر الإفخارستيا كما يُعرف في الكنيسة هو سر الشركة، شركة جميع المؤمنين في الكأس الواحد والخبزة الواحدة: كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ to.n a;rton الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ (1كو 10: 16). وكان سبب ضعف هذا المفهوم أنه جاء كنتيجة لخطأ آخر دخل الرهبنة خلسة، وهو كثرة عدد الكهنة في الأديرة، مما استوجب معه كثرة عدد القداسات في اليوم الواحد، بل وفي الوقت الواحد.
الأمر يحتاج لوقفة شجاعة في جميع الأديرة، فما تم قد تم، ولكن ما ذنب الأجيال القادمة التي من الممكن أن نسلم لها طقساً رهبانياً أصيلاً، إذا أردنا. القضية تحتاج لإعادة النظر في الرسامات الكهنوتية داخل الأديرة، وتقتصر الرسامات حسب احتياج الخدمة، وفي أضيق الحدود. وإذا حدث تساوٍ في عدم الرسامات، فلن تنشأ مشاكل الغيرة بين الرهبان. وبالتالي يجب أن يكون هناك أولاً توعية بأهمية الحياة الرهبانية حسب أصولها الأولى كما وضعها لنا أنبا أنطونيوس وأنبا مقار وأنبا باخوميوس.
ثانياً: ضعف مفهوم حياة الفقر الاختياري:
لا أعرف كيف صار معنى الفقر الاختياري أن يتخلى الإنسان عن كل ما يملك قبل الرهبنة، ثم يَقبل عطايا وهبات من أهل العالم، أو من أقاربه، أو يقبل ما يُسمى الميراث بعد وفاة أحد الأقارب. ربما يكون السبب هو عدم توفير كل متطلبات الحياة الرهبانية للرهبان، وإن كان الراهب أصلاً دخل ليعيش حياة الفاقة والحاجة والعوز. لذلك نحتاج لتوضيح ما هو الفقر الاختياري في حياة الراهب حتى نستطيع أن نعيد للرهبنة صورتها الأولى.
يندرج تحت هذه النقطة خطورة الملكية الخاصة في الأديرة بكل صورها، وانتشار القلالي الشخصية، وملكية السيارات وحسابات البنوك، والشقق الخاصة.
يحكي لنا قداسة البابا تواضروس أنه عندما زار أديرة روسيا، لاحظ أن قلالي الرهبان متشابهة في كل شيء، حتى في لون الشبابيك الخارجية، هذا مظهر هام من مظاهر حياة الشركة، أنه لا يوجد تمييز بين الرهبان في أية ملكية في الدير، وإن كان في الحقيقة ليس للراهب أية ملكية في الدير، بل نحن جميعاً أمناء على ملكية الدير.
ثالثاً: الانفتاح الزائد للأديرة على العالم بكل صوره:
سواء كثرة احتكاك الرهبان بأهل العالم في مواضيع البيع والشراء، وكثرة تعامل الرهبان – خاصة المبتدئين – مع ضيوف الدير. الأمر يحتاج لإعادة النظر في فتح الأديرة سبعة أيام في الأسبوع، وفي جلوس الرهبان مع الضيوف طوال اليوم، وما يتبعه من نمو في العلاقات وعودة تقييد الراهب بقيود العلاقات الكثيرة بعد أن انفك منها يوماً بإرادته.
رابعاً: الاختلاط الزائد بالراهبات:
خطر جديد ظهر في الآونة الأخيرة لم يكن منتشراً من قبل، وهو كثرة تعامل الرهبان مع الراهبات، وجميعنا يعلم أنه كان هناك قوانين صارمة في الشركة الباخومية لمثل تلك التعاملات. وأصبحنا نسمع عن رهبان كثيرين يذهبون للصلاة في أديرة الراهبات، أو حضور الراهبات للمشاركة في أعياد واحتفالات أديرة الرهبان. الأمر يحتاج لتوصيات لاقتصار التعامل على الأب المسئول المعين من المجمع المقدس للنظر في شئون الراهبات أو حل مشاكلهن، دون توريط باقي الرهبان في تلك التعاملات.
خامساً: انصراف الرهبان عن محبة القراءة والبحث:
وهذه ظاهرة حديثة نسبياً في أديرتنا، خاصة عزوف الرهبان عن قراءة كتب أقوال آباء الرهبنة وسير حياتهم، ربما لشعورهم أنها لن تعود عليهم بالنفع الكثير، خاصة مع تغير المناخ العام في الأديرة.
ربما يكون من أهم العوامل التي تجمع فكر الرهبان معاً هو قراءة كتاب بستان الرهبان يومياً في الأديرة، وهو من التراث الرهباني الذي حافظت عليه الأديرة حتى عهد قريب، عندما كان يُقرأ البستان أثناء عمل الخبز في فرن الدير، أو أثناء المائدة المشتركة الأغابي التي استمرت في أديرتنا حتى وقت قريب خاصة بعد قداس يوم الأحد.
أعتقد أن هذه المعوقات التي دخلت ديرنا، ربما يكون هناك ما يشابهها في باقي أديرتنا، وإذا تم تشخيص المرض، إن اقتنعنا أن هذا مرضٌ، سهل العلاج، والعلاج في يدنا جميعاً، ابتداءً من قداسة البابا بتشجيع الرهبان للعودة للأصول الأولى للرهبنة، أو بقراراته الحكيمة بإصدار قرارات مركزية نخضع لها جميعاً لإصلاح مسيرتنا، مروراً بالآباء رؤساء الأديرة والآباء مسؤولي الأديرة، ثم بالرهبان أنفسهم الخائفين على خلاص أنفسهم، وعلى نقاوة حياتهم الرهبانية.