جمعة ختام الصوم

جمعة ختام الصوم

تدور القراءات عن قرب مجيء ملكوت الله. وتذكرنا الكنيسة أنه بعد رحلة الصوم المقدس، ينبغي أن نكون مستعدين لمجيء الرب الثاني، فنحن مثل الطيور المهاجرة التي أتمت رحلة غربتها وتريد أن تعود إلى وطنها السماوي. لذلك نجد القراءات تقارن بين ملكوت الله بالمفهوم الأرضي وبالمفهوم الروحي وبالمفهوم الأخروي.

أولاً بالمفهوم الأرضي: كما في النبوة التي قرأناها في رفع بخور باكر وهي من سفر التكوين (تك 49 : 33 – 50 : 26)، فقد أوصى يعقوب أولاده أن يدفنوه في الأرض التي سيرثونها، كذلك أيضًا يوسف يوصي بنفس الوصية:

قَالَ يُوسُفُ لِبَيْتَ فِرْعَوْنَ: “إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عُيُونِكُمْ فَتَكَلَّمُوا فِي مَسَامِعِ فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ:

أَبِي اسْتَحْلَفَنِي قَائِلاً: هَا أَنَا أَمُوتُ. فِي قَبْرِيَ الَّذِي حَفَرْتُ لِنَفْسِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ هُنَاكَ تَدْفِنُنِي. فَالآنَ أَصْعَدُ لأَدْفِنَ أَبِي وَأَرْجِعُ”.

وفي نفس القراءة:

وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: “أَنَا أَمُوتُ وَلَكِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ”. وَاسْتَحْلَفَ يُوسُفُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: “اللهُ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا”.

نعم كان لهؤلاء القديسين رجاء في تحقيق الله لمواعيده، ولكن على مستوى ميراث الأرض، لذلك كان يهمهم جدًا توزيع المواريث وتحديد الملكيات، من أجل تحقيق ملكوت الله الأرضي.

نجد تلميح لهذا المعنى في قراءات القداس، فيبدأ البولس (2تي:  4) بإدانة من لهم صورة التقوى لكنهم ينكرون قوتها، مثل ينيس ويمبريس اللذين قاوما موسى (سحرة فرعون اللذان حولا العصا حيات مثل موسى تماماً). ثم بعد ذلك يشرح البولس أنه يجب الاستعداد للملكوت وظهور ابن الله (المفهوم الاسخاتولجي)، وهذا الاستعداد بالنسبة لرجل الله يكون بالكرازة بالكلمة:

أَنَا انَاشِدُكَ اذاً امَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ: اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ انَاةٍ وَتَعْلِيمٍ.

ثم يأتي الكاثوليكون ويعطي نفس المعنى (يع 5 : 7 – 16)

فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ. هُوَذَا الْفَلاَّحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ مُتَأَنِّياً عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ.

أما الإبركسيس فيشرح تأسيس الملكوت على الأرض،  (أع 15)، أي المفهوم الروحي لملكوت الله:

وَبَعْدَمَا سَكَتَا قَالَ يَعْقُوبُ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ اسْمَعُونِي. سِمْعَانُ قَدْ أَخْبَرَ كَيْفَ افْتَقَدَ اللهُ أَوَّلاً الأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْباً عَلَى اسْمِهِ. وَهَذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضاً خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ وَأَبْنِي أَيْضاً رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً.

نلاحظ هنا أن القراءة لا تشمل قرارات مجمع أورشليم، فليس هذا هو موضوع القراءة، بل تتوقف القراءة عند مفهوم تأسيس ملكوت الله. وهو ما يتوافق تمامًا مع مفهوم أن ملكوت الله داخلنا كما قرأنا في إنجيل باكر اليوم:

فنقرأ في مزمور باكر: مز 98 : 4 ، 5 ، 6

 اهتفي للرب يا كل الارض اهتفوا ورنموا وغنوا.  رنموا للرب بعود، بعود وصوت نشيد.  بالابواق وصوت الصور اهتفوا قدام الملك الرب.

ثم يأتي في إنجيل باكر ويشرح أن المقصود أساسًا هو مجيء ملكوت الله وتحقيقه على الأرض، وأساسًا في قلوبنا: (لو 17 : 20 37).

 و لما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله أجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة.  و لا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله داخلكم.

وأخيرًا نأتي إلى مزمور وإنجيل القداس، فالمزمور يتكلم عن مجيء الرب: (مز 98 : 8 ، 9)

 الانهار لتصفق بالأيادي، الجبال لترنم معًا. أمام الرب لأنه جاء ليدين الأرض، يدين المسكونة بالعدل والشعوب بالاستقامة

ثم الإنجيل الذي يتكلم عن قرب مجيء الرب (لو 13 : 31 35)، الذي يشرح أنه على وشك الظهور. ونلاحظ أن الكنيسة وضعت لنا هذا الإنجيل يوم جمعة ختام الصوم، استعدادًا ليوم الأحد التالي الذي هو دخول المسيح أورشليم، عندما يهتف الشعب: مبارك الآتي باسم الرب:

فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: «اخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ هَهُنَا لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ». فَقَالَ لَهُمُ: «امْضُوا وَقُولُوا لِهَذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَداً وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ الْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ. يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا. هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ».

 

اضغظ هنا للتحميل