عيد الغطاس أو عيد الظهور الإلهي
عيد الغطاس أو عيد الظهور الإلهي
تتركز قراءات اليوم على استعلان الحياة الأبدية للبشر، وبهذه الحياة الأبدية التي نلناها بظهور الرب يسوع ننال الغلبة على العالم، أي ننال الانتصار على الموت وكل مسببات الموت ونتائجه.
يبدأ إنجيل القداس بالآية: «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو 1: 18). أي أن الابن ظهر للبشر وأخبرهم عن الله الآب، الذي لم يره أحد قط.
ثم يؤكد القديس يوحنا المعمدان أن سبب مجيئه هو أن يعلن عن ظهور الله بين البشر: «وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لِإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ» (يو 1: 31).
نحن نعرف أن يوحنا جاء بمعمودية التوبة، وجاء ليعدَّ الطريق أمام الرب، وأخذ يعلِّم الشعبَ أن يتوبوا ويقدموا أثماراً تليق بالتوبة: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا… لاَ تَظْلِمُوا أَحَداً، وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ، وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ» (لو 3: 11- 14) أي اكتفوا بأمراسكم كما نسميها اليوم في الطقس الرهباني. أي أن لا تأخذ مرس أخيك أو تشتهي ما لأخيك، هذا كان عمل المعمدان. لكنه أوضح صراحة أن سبب مجيئه الأساسي هو لكي يُظهر المسيح: «وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لِإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ». وينتهي إنجيل اليوم عند شهادة يوحنا المعمدان عن المسيح: «وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ» (يو 1: 34).
ثم تأتي قراءة الكاثوليكون من رسالة القديس يوحنا الأولى لتؤكد على أن ظهور ابن الله هو ظهور الحياة الأبدية للبشر أو نوال البشر الحياة الأبدية، وبهذه الحياة ننال الغلبة على العالم وعلى الموت.
تبدأ رسالة الكاثوليكون لتؤكد لنا أن الانتصار في طريق الجهاد هو بالمسيح: «مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ»؟ (1يو 5: 5). لماذا؟
يرجع السبب في ذلك أن المسيح سبق وغلب العالم، وكل ما فعله المسيح فقد فعله لحسابنا: «قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يو 16: 33). كنا نتوقع أن يقول في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنكم ستغلبون العالم، لكنه قال أنا قد غلبت العالم، لأن كل ما فعله المسيح فقد فعله لحسابنا. يتضح هذا الكلام من قول معلمنا بولس الرسول:
«وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (1كو 15: 57). ويتأكد أكثر من رسالة القديس يوحنا:
«أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ» (1يو 4: 4).
«لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا. مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ»؟ (1يو 5: 4-5).
وهكذا فإن كل ما فعله المسيح قد فعله لحسابنا، وقد انتقلت هذه القوة لنا عندما منحنا الله الحياة الأبدية.
يقول القديس كيرلس الكبير في تفسيره لإنجيل يوحنا (16: 33):
[لقد أظهر المسيح نفسه أسمى وأقوى من كل خطية ومن كل الظروف العالمية. وحيث إنه قد غلبها جميعاً، فقد أعطى الغلبة عليها أيضاً للمجرَّبين لأجله… فقد انتقلت إلينا نحن أيضاً بالتمام قوة ما فعل، من حيث إن الذي غَلب هو منَّا، بسبب ظهوره كإنسان].
نكمل الرسالة مع معلمنا يوحنا الحبيب:
«إِنْ كُنَّا نَقْبَلُ شَهَادَةَ النَّاسِ فَشَهَادَةُ اللهِ أَعْظَمُ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ اللهِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا عَنِ ابْنِهِ. مَنْ يُؤْمِنُ بِابْنِ اللهِ فَعِنْدَهُ الشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. مَنْ لاَ يُصَدِّقُ اللهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا اللهُ عَنِ ابْنِهِ. وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا e;dwken (فعل ماضي) حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ».
لماذا الحياة الأبدية في ابنه، لأن الابن هو الحياة، وقد أعلنها الرب يسوع نفسه عندما قال: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يو 14: 6)، وأوضحها القديس يوحنا في بداية رسالته: «اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا» (1يو 1: 1-2).
فعندما يقول أن الله أعطانا حياة أبدية وأن هذه الحياة هي في ابنه، يكون ذلك بسبب أن الابن هو الحياة الأبدية.
وعندما يقول أننا نلنا الحياة الأبدية أليس هذا معناه الغلبة أو الانتصار على الموت.
والعجيب أن الله لم يعطنا فقط الحياة الأبدية وما يتبعها من الغلبة على الموت، بل أعطانا إمكانية أن نمنح الآخرين الحياة، اسمع ما يقوله يوحنا الحبيب في نفس قراءة اليوم:
«إِنْ رَأَى أَحَدٌ أَخَاهُ يُخْطِئُ خَطِيَّةً لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ، يَطْلُبُ، فَيُعْطِيهِ حَيَاةً (بصلاتك يعطي الرب الحياة للآخرين، وبالتالي يجب أن تكون أنت متمتعاً بالحياة بثباتك في مصدر الحياة) لِلَّذِينَ يُخْطِئُونَ لَيْسَ لِلْمَوْتِ. تُوجَدُ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ. لَيْسَ لأَجْلِ هَذِهِ أَقُولُ أَنْ يُطْلَبَ. كُلُّ إِثْمٍ هُوَ خَطِيَّةٌ، وَتُوجَدُ خَطِيَّةٌ لَيْسَتْ لِلْمَوْتِ» (1يو 5: 16-17).
يتفق الآباء على الخطية التي للموت هي الارتداد عن الرب يسوع، وهذا واضح من الكلام هنا، فعدم الإيمان بالمسيح، هو رفض للحياة الأبدية التي نلناها منه، وبالتالي الخضوع للموت الأبدي.
نختتم بكلمة للقديس باسيليوس الكبير في عظته على الميلاد:
[من أجل ذلك جاء الله في الجسد، لكي يقتل الموت المتخفِّي في أعماقنا. فقد ملك الموت حتى مجيء المسيح (رو5: 14)، ولكن لمَّا ظهرت نعمة الله المخلِّصة (تي2: 11)، وأشرق «شمس البر» (ملا4: 2)، ابتُلِع الموت إلى غلبة (1كو15: 54)؛ إذ لم يحتمل التواجُد أمام الحياة الحقيقية. فيا لعمق صلاح الله ومحبته للبشر]!
والمجد لله دائماً.