وَتَكُونُونَ لِي قِدِّيسِينَ
وَتَكُونُونَ لِي قِدِّيسِينَ
اعتاد القديس بولس الرسول في افتتاحية رسائله أن يخاطب المؤمنين واصفاً إياهم بالقديسين، فيكتب مرة قائلاً: «إِلَى الْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي، وَالإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ» (كولوسي 1: 2)، ومرة أخرى: «إِلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ أَحِبَّاءَ اللهِ مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ» (رومية 1: 7). بل ويصف أيضاً أهل كورنثوس بنفس الصفة برغم المشاكل الكثيرة التي كانت موجودة بين مؤمني هذه الكنيسة: «إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الْمَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ» (كورنثوس الأولى 1: 2).
كلمة القديسين حسب معناها اللغوي تعني المكرَّسين لله، أو الْمُفرَزين لله، أي الذين هم من نصيب الله. لذلك خاطب الله الشعب في القديم قائلاً: «وَتَكُونُونَ لِي قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ أَنَا الرَّبُّ. وَقَدْ مَيَّزْتُكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ لِتَكُونُوا لِي» (لاويين 20 : 26). أي اخترتكم من وسط جميع الشعوب لتكونوا شعباً خاصاً لي.
إن مجرد التكريس لله، حسب المعنى اللغوي، لا يجعل الإنسان بالضرورة قديساً، فقد كان أولاد عالي الكاهن مكرَّسين لله ولخدمة خيمة الاجتماع، لكن الله رفضهم وأماتهم لأنهم لم يكونوا أمناء لهذا التكريس (صموئيل الأول 4: 11).
والقديس بولس الرسول لم يصف المؤمنين بالقديسين لأنهم مكرَّسون لله، فهم لم يكونوا كذلك بالمعنى اللغوي. بل السبب الرئيسي لقداسة الإنسان أنه نال من قداسة الله، أو أصبح شريكاً لقداسة الله: «لأَنَّ أُولَئِكَ (أي آباءنا الجسديين) أَدَّبُونَا أَيَّاماً قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هَذَا (الرب الإله) فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ» (عبرانيين 12: 10). ولا يأتي الاشتراك في قداسة الله إلا بالروح القدس نفسه الذي نناله بميلادنا الجديد في المعمودية. يقول القديس أثناسيوس الرسولي في الرسالة ضد الأريوسيين (1: 46):
[الرب نفسه يقول بفمه في إنجيل يوحنا: «من أجلهم أقدِّس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضاً مقدَّسين في الحق» (17: 19). كيف تمّ ذلك؟ وكيف يقول ذلك إلا بما معناه: ”أنا كوني كَلمةُ الآب، أُعطي الروح القدس لذاتي الصائر إنساناً، وأُقدِّس به ذاتي الصائر إنساناً، حتى يكونوا جميعاً مقدَّسين فيَّ أنا الحق (لأنَّ كلمتك هو حقٌّ)“ فإن كان من أجلنا يقدِّس ذاته، ويفعل ذلك بعد أن صار إنساناً، فمن الواضح تماماً أن حلول الروح القدس عليه في الأردن، كان حلولاً للروح علينا نحن، بسبب أنه كان حاملاً جسدنا نحن، فلم يكن ذلك من أجل ارتقاء الكلمة ذاته،
بل بالحري من أجل تقديسنا نحن، حتى نشترك في مسحته ويُقال عنا: «أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم؟» (كورنثوس الأولى 16:3)].