وتكونون لي شهوداً

 

«لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع 1: 8).

هذا هو تعريف كلمة الشاهد أو الشهيد (مارتيس أو مارتيروس) كما جاءت على فم الرب يسوع له المجد. فالشهيد هو من يشهد لحياة الرب يسوع وموته وقيامته، يشهد له بسيرته وبكلماته. حتى إن الرب يسوع أطلق على نفسه هذا اللقب: «نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي… وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ. الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» (رؤ 1: 4-5).

أما أول من نال هذا اللقب في العهد الجديد فهو القديس استفانوس، على لسان القديس بولس الرسول، وذلك بسبب شهادته عن الرب يسوع أمام محفل اليهود (أعمال 7): «وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ كُنْتُ أَنَا وَاقِفاً وَرَاضِياً بِقَتْلِهِ وَحَافِظاً ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ» (أع 22: 20)، أي عندما قُتل استفانوس الذي شهد عنك. واضح هنا أنه نال لقب شهيد المسيح بسبب شهادته وليس بسبب قتله على اسم المسيح. ثم أُطلق هذا اللقب على القديس أنتيباس في سفر الرؤيا، بنفس المفهوم الذي دُعي به القديس استفانوس: «وَأَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بِاسْمِي وَلَمْ تُنْكِرْ إِيمَانِي، حَتَّى فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا كَانَ أَنْتِيبَاسُ شَهِيدِي الأَمِينُ الَّذِي قُتِلَ عِنْدَكُمْ حَيْثُ الشَّيْطَانُ يَسْكُنُ» (رؤ 2: 13) أي أنه نال لقب الشهيد الأمين قبل أن يتم قتلهأنأااااا ا.

ومن هذا المفهوم دخلت هذه الكلمة إلى الكنيسة، أن كل من يشهد بسيرته وبأقواله، أي يعترف بالرب يسوع المسيح، ويُقتل بسبب هذا الاعتراف، يُدعى شهيداً: «وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ» (رؤ 20: 4).

ودخل هذا المفهوم الجميل في أقوال شهداء الكنيسة الأولى، كما جاء في رسالة القديس إغناطيوس لأهل سميرنا قبل استشهاده عام 107م: [الذي يكون قريباً من السيف، يكون قريباً من الله؛ والذي يكون محاطاً بالوحوش، يكون محاطاً بالله، بشرط أن يكون ذلك باسم يسوع المسيح. إني أحتمل كل شيء لأصير شريكاً لآلامه، وهو نفسه يقويني من الداخل، هو الذي صار إنساناً كاملاً]. وهكذا أيضاً شهد القديس بوليكربوس ساعة استشهاده (155م) عن  الرب يسوع: [أباركك لأنك أهَّلتني لهذا اليوم وهذه الساعة لأنال نصيبًا مع عداد شهدائك في شرب كأس مسيحك لقيامة الحياة الأبدية].

لقد قدمت الكنيسة منذ فجر المسيحية الكثير من الشهداء، الذين شهدوا للرب يسوع ولم ينكروا الإيمان، وما تزال الكنيسة حتى اليوم تقدم شهداءها الذين يشفعون لها أمام عرش النعمة، وصدق قول العلامة ترتليانوس (225م): [إن دم الشهداء هو بذار الكنيسة].

 

اضغظ هنا للتحميل